الخروج على السلطان الجائر
هل يجوز الخروج على السلطان المسلم الجائر؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالواجب على السلطان المسلم أن يسير في رعيته بالعدل وأن يتقي الله فيهم، ويكون لهم كالراعي الشفيق على إبله يكنهم من الحر والقر ويرتاد لهم أطيب المراعي، ويكون لصغير المسلمين أباً ولكبيرهم ابناً ولمثيلهم أخاً؛ يسمع كلام الله ويسمعهم وينقاد إلى الله ويقودهم؛ رجاء أن يدخل في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأولهم أمام عادل، والواجب على الرعية أن تطيع السلطان في طاعة الله وأن تناصحه فيما ولاه الله؛ عملاً بقوله سبحانه {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم {الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم} رواه مسلم.
ولا يجوز للرعية طاعة السلطان في معصية الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {إنما الطاعة في المعروف} رواه البخاري، وإذا حصل من السلطان المسلم نوع من الجور والظلم والقهر، فالله حسيبهم، ولا يجوز للرعية الخروج عليهم؛ ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله: أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة، فجذبه الأشعث بن قيس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اسمعوا وأطيعوا؛ فإنما عليه ما حُمِّل وعليكم ما حُمِّلتم} وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله إنا كنا بشرٍّ فجاء الله بخير فنحن فيه؛ فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: نعم. قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: نعم. قلت: كيف؟ قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع}وفي صحيح مسلم من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، فقلنا: يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يداً من طاعة} وفي صحيح مسلم من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف فقد برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا}
والهدي الوارد في هذه الأحاديث الصحيحة قد نص على العمل بها أئمة المسلمين، يقول القاضي عياض المالكي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: أحاديث مسلم كلها حجة في منع الخروج على الأئمة الجورة، وفي لزوم طاعتهم.أ.هـ وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في التمهيد: ذهبت طائفة من المعتزلة إلى منازعة الإمام الجائر، أما أهل الحق ـ وهم أهل السنة ـ فقالوا: الصبر على طاعة الجائر أولى، قال: والأصول تشهد والعقل والدين أن أعظم المكروهين أولاهما بالترك.أ.هـ يعني رحمه الله أن المفسدة التي تترتب على الخروج عليهم أعظم من مفسدة ظلمهم وجورهم. والله أعلم.