التمباك والسجائر والصلاة في المسجد
الحمد لله ملتزم وأصلي الصبح حاضراً في المسجد، ولكني أتعاطى السجائر والتمباك بصورة متقطعة، وكذلك أصلي الأوقات الأخرى في مساجد مختلفة تبعد أو تقرب من المنزل السؤال:
1/ما حكم تعاطي التمباك أو السجائر في حالتي؟
2/ما أجر الذهاب للمسجد في سيارة؟ هل مثل أجر الذهاب بالأرجل مع العلم بأن الذهاب بالأرجل أحياناً يكون شاقا؟
3/ ما أجر الاستماع إلى القرآن عبر الراديو مع العلم بأنني أستمع إليه بكثرة وأكثر من قراءته؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فأنت مأجور على ذهابك إلى بيت الله وحرصك على إيقاع الصلاة المفروضة فيه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسـلم “من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح” وقال “بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة” وقال “من تطهر في بيته ثم خرج إلى بيت من بيوت الله ليؤدي فريضة من فرائض الله كانت خطوته إحداها ترفعه درجة، والأخرى تحط عنه خطيئة” وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَزِيدُ بِهِ فِي الْحَسَنَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» وقال ابن مسعود رضي الله عنه «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَعَمْرِي، لَوْ أَنَّ كُلَّكُمْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ الرَّجُلَ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ، فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، فَيَعْمِدُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَيُصَلِّي فِيهِ، فَمَا يَخْطُو خَطْوَةً، إِلَّا رَفَعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً» وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم؛ فأنت يا أخي على خير عظيم ما دمت مواظباً على الصلاة في بيوت الله وأسأل الله لك الثبات.
أما تعاطي التمباك والسجائر فمما لا يليق بك؛ لأن كلمة العلماء قد اتفقت على تحريم هاتين النبتتين الخبيثتين لما فيهما من الضرر العظيم على صحة الإنسان؛ وقد صدرت بذلك الفتاوى من المجامع الفقهية المعتبرة؛ وذلك مستنبط من الأدلة الشرعية، ومنها:
1- قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم {يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث} والعقلاء متفقون على كون الدخان خبيثاً في شكله وريحه وأثره
2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛ وقد ورد في إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص في العالم؛ فيكون متناوله قد تعاطى سبب هلاكه
3ـ قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} المنار2/213
4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:
- النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
- أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة،مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
- أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً
ومتعاطي الدخان قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإحراقه عبثاً في غير فائدة.
5ـ قوله تعالى {ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين} وإنفاق المال في الدخان تبذير من حيث كونه إفساداً
ومن السنة المطهرة:
1ـ قوله صلى الله عليه وسلم (وأنهاكم عن ثلاث:قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري. وإنفاق المال في الدخان إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه
2ـ قوله صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار) أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول الدخان موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.
3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن كل مسكر ومفتِّر) قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي الدخان خاصة في أول أمره
ومن النظر الصحيح:
- تناول الدخان يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
- شارب الدخان إن فَقَدَه ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه
- شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
- ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله
وأما التمباك فإن الأدلة التي مضى ذكرها تتناوله بالتبع إضافة إلى أنه قد ثبت طباً أن التمباك سبب في الإصابة بسرطان اللثة القاتل كما أنه مستقذر يستقبحه الذوق السليم فلا يجوز تناوله ولا الاتجار فيه ولا الإعانة عليه، والله تعالى أعلم.
وأما الذهاب إلى المسجد فمن استطاع أن يأتيه ماشياً فذلك أعظم له في الأجر، ومن شقَّ عليه ذلك فلا حرج عليه أن يركب؛ لأن الشريعة جاءت بدفع المشقة عن الناس، وما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسـلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ وقد كان الصحابة رضي الله عنهم منهم من يأتي إلى المسجد راكباً ومنهم من يأتي ماشياً دون أن ينكر بعضهم على بعض؛ ففي سنن ابن ماجه من حديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، بَيْتُهُ أَقْصَى بَيْتٍ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ لَا تُخْطِئُهُ الصَّلَاةُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَوَجَّعْتُ لَهُ، فَقُلْتُ: يَا فُلَانُ لَوْ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ حِمَارًا يَقِيكَ الرَّمَضَ، وَيَرْفَعُكَ مِنَ الْوَقَعِ، وَيَقِيكَ هَوَامَّ الْأَرْضِ فَقَالَ: وَاللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنَّ بَيْتِي بِطُنُبِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَحَمَلْتُ بِهِ حِمْلًا، حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَدَعَاهُ، فَسَأَلَهُ، فَذَكَرَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْجُو فِي أَثَرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ»
وأما الاستماع إلى القرآن الكريم فأجره كبير وثوابه عظيم، وما زال الصالحون من عباد الله يحرصون على ذلك ويتنافسون فيه؛ قَال الإْمَامُ النَّوَوِيُّ رحمه الله تعالى في كتابه (التبيان في آداب حملة القرآن): اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقِرَاءَةِ بِالأْصْوَاتِ الْحَسَنَةِ أَنْ يَقْرَءُوا وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ، وَهُوَ مِنْ عَادَةِ الأْخْيَارِ الْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَهُوَ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَال لِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِل؟ قَال: نَعَمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الآْيَةِ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُل أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} قَال: حَسْبُكَ الآْنَ، فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ. وَرَوَى الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُول لأِبِي مُوسَى الأْشْعَرِيِّ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ الْقُرْآنَ. وَالآْثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ.ا.هـــ والعلم عند الله تعالى.