التراويح والدفوف والمسبحة
يا شيخنا عندي لك بعض الشبهات أرجو أن تفتيني فيها وهي: هل للسيدة عائشة مسبحة؟ التبليغ الذي يحدث في الحرم؟ استقبال أهل المدينة للنبي صلي الله عليه وسلم بالدفوف؟ وأخيرا صلاة التراويح سنة أم بدعة كما يزعم البعض؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فلم يرد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت تستعمل مسبحة؛ لكن روى أحمد وأبو داود عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أنها كانت تسبح بالنوى، وروى الترمذي عن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقال: ” لقد سبحت بهذا! ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به؟ فقالت: علِّمني. فقال: “قولي سبحان الله عدد خلقه” رواه الترمذي. وروى أبو داود والترمذي عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: ” أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض …” رواه أبو داود والترمذي. ولا فرق بين التسبيح بالحصى والنوى والتسبيح بالمسبحة سواء كانت من خرز أو غيره؛ لكن ينبغي التنبيه هنا على أمرين: أولهما أن التسبيح بالأصابع أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم {يا نساء المؤمنات: عليكن بالتهليل، والتسبيح، والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات} رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسَّن إسناده النووي في الأذكار. ولأن هذا هو الثابت من فعله عليه الصلاة والسلام؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح. ثانيهما: أنه مع القول بجواز استعمال السبحة إلا أنه ما ينبغي أن تتخذ مراءاة كحال من يعلقونها في العنق أو يجعلونها في المعصم ونحو ذلك من المظاهر الموحية بالرياء عياذاً بالله تعالى.
وأما التبليغ الحاصل في الحرم فلحاجة الناس إليه حيث يصلون خلف الإمام في الشوارع والطرقات والحوانيت، ولربما تمتد الصفوف إلى أماكن بعيدة فيخفى على الناس صوت الإمام، ثم لكثرة الجنائز التي يصلى عليها في الحرم، ويحتاج الناس إلى تنبيههم وتعريفهم بكون الجنازة واحدة أم متعددة، وهل هي جنازة رجل أم امرأة؟ والمقصود أن للحرمين خصوصية، ولا معنى للتبليغ في مسجد يصلي به صف أو صفان أو صفوف محصورة وصوت الإمام مسموع، ومكبرات الصوت جيدة.
وقد استقبل أهل المدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر فرحين مستبشرين وهم يقولون: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كانوا يستقبلونه حين قدومه من الغزوات، وقد قالت له إحدى النساء مرة: يا رسول الله إني نذرت إن نجاك الله أن أضرب بين يديك بالدف. فقال لها عليه الصلاة والسلام: أوفي بنذرك.
وأما صلاة التراويح فليست ببدعة أبداً، بل هي سنة ثابتة عن نبينا صلى الله عليه وسلم حيث صلى بالناس ليلتين أو ثلاثاً، لكنه ترك المواظبة عليها خشية أن تفرض عليهم، ثم أحيا هذه السنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيام خلافته؛ حيث جمع الناس خلف أبي بن كعب رضي الله عنه، ولما خرج عليهم وهم يصلون بصلاة أبيّ قال {نعمت البدعة الحسنة هي} ومقصوده البدعة اللغوية بمعنى الأمر الجديد، وليس مراده أنه قد أحدث في الدين ما لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.