البكاء عند قراءة القرآن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سألني صديق لي عن البكاء عند سماع القرآن، وقال إنه لا يبكي ويريد ذلك…فذكرت له أنه مطلوب وثبت بالأدلة وقلت له: إن لم تبكِ فتباكَ لأنني سمعت أحد المشايخ يقول ذلك؛ فلم يصدقني فاستعنا بالقوقل فكان أن صحَّ كلامي..ووجدنا هذا الحديث الذي اختلفنا في تفسيره (ثم روى بإسناده إلى أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرْسَلَتْ ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه إن ابناً لي قُبض فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجلٍ مُسمى، فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تُقْسِم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فَرُفِع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونَفْسه تتقعقع. ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ فقال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. والحديث مُخرّج في صحيح مسلم) فكان الاختلاف في هل البكاء للميت على صفة بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيه رحمة للميت حسب تفسير الحديث؟ وإذا كان بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيه رحمة هل بكاؤنا نحن أيضاً فيه رحمة؟ جزاءكم الله خير
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله و صحبه أجمعين، وبعد.
فالذي أنصحك به وصديقك ألا تكثرا من المراء والجدال، بل الواجب عليكما إذا اختلفتما في أمر ما أن تردوه إلى أهل العلم حيث أنتم؛ لقوله تعالى )فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون( وقوله تعالى )ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم( وقوله صلى الله عليه وسلم {هلا سألوا إذ جهلوا؟ إنما شفاء العي السؤال} وبخصوص ما سألت عنه فإنني أجيبك بأن البكاء عند تلاوة القرآن مطلوب الحرص عليه واستدعاؤه في قول جمهور العلماء؛ لأن هذه صفة المدح المذكورة في سورة الإسراء )ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا( قال ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره: ويَخرُّ هؤلاء الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين، من قبل نزول الفرقان، إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون، ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعا، يعني خضوعا لأمر الله وطاعته استكانة له.ا.هـــــــــــ ويفهم هذا أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا} رواه ابن ماجه والبزار
وأما البكاء عند الموت فلا حرج فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بكى عند موت ابنه إبراهيم؛ كما في حديث جابر رضي االله عنه قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي؟ أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال: {لا. ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان} فالمنهي عنه ما كان فيه تسخط على قضاء الله وقدره، والذي يظهر في النياحة وتشقيق الثياب؛ فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية} والرحمة المقصودة في الحديث هي شعور الإنسان بالأسى لفقد خليله أو صفيه من أهل الدنيا، وليس المقصود أن الميت يرحم بذلك، والله تعالى أعلم.