إجهاض بسبب المرض
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالإجهاض لا يجوز إلا بقرار طبي يثبت من خلاله أن ثمة خطراً على حياة الأم من بقاء ذلك الحمل، أما لمجرد التشهّي أو عدم الرغبة في الحمل أو الرغبة في تأجيله يلجأ إلى الإجهاض فلا، ولو كان الحمل ليوم واحد
قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (أحكام النساء) تحت عنوان إثم المرأة إذا تعمدت الإسقاط: لما كان موضوع النكاح لطلب الولد، وليس من كل الماء يكون الولد؛ فإذا تكوَّن فقد حصل المقصود من النكاح، فتعمُّدُ إسقاطه مخالفة لمراد الحكمة إلا أنه إن كان ذلك في أول الحمل قبل نفخ الروح كان فيه إثم كبير لأنه مترقٍّ إلى الكمال وسائر إلى التمام؛ إلا أنه أقل إثماً من الذي نفخ فيه الروح. فإذا تعمدت إسقاط ما فيها الروح كان كقتل مؤمن وقد قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} الموؤدة: البنت كانوا يدفنونها حية فهي تسأل يوم القيامة لتبكت قاتليها.ا.هــــــــ
وقد جاء في قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ما يلي:
إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوماً لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهاً أم لا دفعاً لأعظم الضررين.ا.هـــــــــــ
وأما الإجهاض قبل مرور مائة وعشرين يوماً على الحمل فقد ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه، وهو القول المعتمد عند المالكية وهو قول بعض الحنفية والحنابلة وأهل الظاهر والغزالي من الشافعية وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله على الجميع، وهو القول الذي اختاره كثير من فقهاء زماننا
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمع العلماء أن الغرة تجب في الجنين الذي يسقط من بطن أمه ميتاً وهي حية حين سقوطه وأن الذكر والأنثى في ذلك سواء في كل واحد منهما الغرة.ا.هـــ
وقال الخرقي: وإذا شربت الحامل دواء فألقت به جنيناً فعليها غرة لا ترث منها شيئاً وتعتق رقبة. وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي في (المغني) شارحاً عبارة الخرقي: ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة على ما قدمنا.ا.هـــــ
فالخلاصة أن الفقهاء رحمهم الله متفقون على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح، وأما قبل نفخ الروح فأكثر الفقهاء على منعه إلا لعذر كما لو انقطع لبنها بعد ظهور الحمل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به ظئراً ـ أي مرضعة ـ ويخاف هلاكه، وهذا هو المعتمد عند المالكية كما نقل ذلك الدردير والدسوقي وغيرهما.