هل الرحمة والمغفرة من صفات الله؟
هل الرحمة والمغفرة من صفات الله؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالرحمة والمغفرة صفتان من صفات ربنا جل جلاله؛ لأنه سمى نفسه في القرآن (الرحمن – الرحيم – الغافر – الغفور – الغفار) فدلت هذه الأسماء الحسنى على هاتين الصفتين العظيمتين، والرحمة هي الرقة والتعطف، والفرق بين الرحمن والرحيم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر. ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي الحديث الصحيح: إذا قال العبد ((الرحمن الرحيم)) قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي
ورحمته سبحانه على نوعين: رحمة عامة وهي لجميع الخلق بإيجادهم وتربيتهم ورزقهم وإمدادهم بالنعم والعطايا، وتصحيح أبدانهم وتسخير المخلوقات لهم {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} والثانية رحمة خاصة وهي لا تكون إلا للمؤمنين؛ ليرحمهم الله في الدنيا بتوفيقهم للهداية والصراط المستقيم، ويرحمهم في الآخرة بإدخالهم الجنة ونجاتهم من عذابه ونقمته سبحانه وتعالى {وكان بالمؤمنين رحيما}
وقد ذُكر الرحمن في القرآن سبعاً وخمسين مرة، منها قوله تعالى {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم} {إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا} {الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوماً على الكافرين عسيرا} وذكر اسم الرحيم مائة وأربع عشرة مرة، منها قوله تعالى {إن الله بالناس لرءوف رحيم} {إن الله غفور رحيم} {إن ربي رحيم ودود}
وأما المغفرة فأصلها التغطية والستر، غفر الله ذنوبه أي: سترها، تقول العرب: اصبغ ثوبك بالسواد فهو أغفر لوسخه، وتقول: غفر الشيب بالحناء، والمغفرة التغطية، والمغفر: حلق يتقنع به المتسلح يقيه ويستره، وقد سمى الله نفسه بالغفور في إحدى وتسعين آية، وسمى نفسه الغفار في خمس آيات، وأما الغافر فقد ورد مرة واحدة، والغفار أبلغ من الغافر والغفور أبلغ من الغفار، والغفور والغفار: التام المغفرة الكثير الغفران.
ومعنى هذه الأسماء في حقه جل جلاله أنه هو الذي يستر ذنوب عباده ويغطيهم بستره، قال الخطابي رحمه الله: فالغفار الستار لذنوب عباده، والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته، ومعنى الستر في هذا: أنه لا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم. وقال ابن العربي رحمه الله: غافر فاعل من غفر، وغفور للمبالغة إذا تكرر، والغفار أشد مبالغة منه، وقيل: غافر بستره في الدنيا، وغفور بستره في الآخرة، وغفار بستره عن أعين الخلائق وعن أعين المذنبين. والله تعالى أعلم.