تولي القضاء في ظل دولة لا تحكم بالشريعة
معلوم أن غالب الدول الإسلامية لا تحكم الشريعة فهل يجوز تولي القضاء وممارسة المحاماة رغم عدم تحكيم الشريعة؟ وهل كل القوانين الوضعية تخالف الشريعة؟ وهل القانون الإداري والدولي والتجاري يمكن الاستفادة منه؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فواجب على كل مسلم أن يلتزم أحكام الشرع في نفسه ويلزم بذلك من تحته ممن ولاه الله أمرهم، وبهذا يخاطب الأولياء من آباء ومدراء ووزراء وولاة وأمراء وحكام وغيرهم، ومن خالف أحكام الشريعة فعليه الوزر بحسب ما وقع فيه، والأصل في هذا قول الله جل جلاله {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} وقوله سبحانه {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} وقوله سبحانه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} وما عليه الحال في أغلب بلاد الإسلام إنما هو من آثار غربة الدين وتحكم المنافقين في مراكز صنع القرار، وهو وضع خاطئ يجب تصحيحه بمناصحة الحكام والمحكومين وبيان الحق لهم من كافة وجوهه حتى يرجعوا عما هم فيه من ضلال.
وأما تولي القضاء في ظل تحكيم تلك القوانين الوضعية فهو مما اختلف فيه العلماء المعاصرون، ولعل الراجح والعلم عند الله تعالى هو القول بالجواز تحقيقاً لبعض المصالح أو درء لبعض المفاسد وإعمالاً لقاعدة الضرورة لئلا تضيع حقوق الناس ويتسور على منصب القضاء من ليس له أهلا، وهو ما رجحه العلامة الشيخ رشيد رضا رحمه الله في تفسير المنار.
والقوانين الوضعية ليست كلها مخالفة للشريعة؛ فإن فيها قسماً يتعلق بالمجالات الإدارية والمدنية المنظمة لشئون الناس وهي من قبيل المصالح المرسلة التي لم تأت الشريعة بإعمالها ولا إلغائها، وفيها كذلك قوانين مناهضة للقوانين الشرعية مخالفة لها فيما يتعلق بالتحليل والتحريم أو نظام العقوبات ونحو ذلك، أما العمل بالمحاماة فلا حرج فيه إن كان قصد المحامي نصر المظلوم واستخلاص الحقوق لأهلها وإيصال حاجة من لا يستطيع إيصالها؛ إذ المحاماة في حقيقتها وكالة، وقد دلت النصوص الشرعية على أن الوكالة جائزة في الجملة، والعلم عند الله تعالى.