نصيحة لمن يخوض في الدعاة بالسوء
بم تنصح من يخوض في الكلام عن الدعاة بالسوء؟ أرجو الإفادة حيث أكثر الناس من اللغو في هذا الأمر.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: {إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط} رواه أبو داود، فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.
أما إدمان الحديث بالسوء عنهم وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا هم له إلا الطعن في النيات والمقاصد بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.
وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحد معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله {كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم} ويقول ابن القيم رحمه الله: {فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها} وعليه أن يعلم أن الأمور التي تنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله جل جلاله وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا}.
فقد تكون الأمور التي ينتقد عليها بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف ، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل عند السلف فيأتي بعضهم مُهوّلاً أن فلاناً قد خالف في المسألة الفلانية، وأن هذا خلل في المنهج وانحراف عنه ؛ وليس الأمر كذلك. والله الهادي إلى سواء السبيل