هل من يعمر المساجد بريئ من الذنوب؟
يقول تعالى {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} حولنا أناس يصلون الخمسة أوقات في المسجد، بل أحياناً يصطحبون أطفالهم دون السابعة إلى صلاة الفجر، ولكنهم يؤذون الناس بألسنتهم وأيديهم ويسرقون الكهرباء من خلف العداد، وبدلاً من إماطة الأذى الذي هو أدنى درجات الإيمان فإنهم يدفقون الماء المستعمل ونفايات المطبخ في الشارع؛ فيصبح زلقاً، هذا غير العظام وشوك الأسماك والحجارة، ويحفرون الحفر ويتركونها بحيث يصبح المشي خطراً خصوصاً ليلاً للمسنين وضعيفي البصر والبنية، ولا يبالون بالكذب وأكل المال الحرام، فما معنى الآية المتقدمة يرحمكم الله؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن معنى الآية ـ والله أعلم ـ على ما قاله أهل التفسير: إنما يعمر مساجد الله المصدِّق بوحدانية الله المخلص له العبادة، الذي يصدِّق ببعث الله الموتى أحياء من قبورهم يوم القيامة، وأقام الصلاة المكتوبة بحدودها وأدَّى الزكاة الواجبة عليه في ماله إلى من أوجبها الله له، ولم يرهب عقوبة شيء على معصيته إياه سوى الله؛ فخليق بأولئك الذين هذه صفتهم أن يكونوا عند الله ممن قد هداه الله للحق وإصابة الصواب. والمراد بعمارة المساجد بناؤها وترميمها وقمُّها وتنظيفها وتزيينها بالفرش لا على وجه يشغل قلب المصلي عن الحضور وتنويرها بالسرج، وإدامة الذكر والعبادة ودراسة العلوم الشرعية فيها ونحو ذلك مع صيانتها مما لم تبن له في نظر الشرع من اللغط ورفع الأصوات وإثارة الخلاف وما إلى ذلك مما يتنافى مع رسالة المسجد.
وليس معنى الآية أن عمار المساجد معصومون من المعاصي بريئون من الذنوب بل هم كغيرهم، فجيرانك هؤلاء لهم أجر عمارتهم للمسجد وصلاتهم فيه، وعليهم وزر ما يأتون من أفعال محرمة من أذية الناس بألسنتهم وأيديهم وطرحهم الأشواك في الطرقات وغير ذلك من فعال شائنة، والواجب نصحهم ونهيهم عن المنكر بالأسلوب الشرعي لعل الله أن يهديهم، والله الموفق والمستعان.