ترميم الكنائس في بلاد المسلمين
هل يجوز للبلد المسلم أن يقوم بترميم كنائس أهل الكتاب في نفس البلد؟ خاصة إذا كانت هناك مصالح تتحقق من ذلك كمنع الدعم الخارجي!! أو يحقق مصلحة لتصحيح الصورة المفهومة خطأ عن الدين الإسلامي!!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالذي قرره علماء الإسلام أن لأهل الكتاب ـ في دار الإسلام ـ أن يرمموا ما تهدم من كنائسهم التي صولحوا عليها؛ وليس لهم أن يستحدثوا بناء لكنيسة جديدة؛ قال ابن قدامة في المغني: ولهم رم ما تشعث منها، وإصلاحها؛ لأن المنع من ذلك يفضي إلى خرابها وذهابها، فجرى مجرى هدمها. وإن وقعت كلها، لم يجز بناؤها. وهو قول بعض أصحاب الشافعي. وعن أحمد أنه يجوز. وهو قول أبي حنيفة والشافعي؛ لأنه بناء لما استهدم فأشبه بناء بعضها إذا انهدم ورم شعثها، ولأن استدامتها جائزة وبناؤها كاستدامتها. وحمل الخلال قول أحمد: لهم أن يبنوا ما انهدم منها. أي إذا انهدم بعضها، ومنعه من بناء ما انهدم، على ما إذا انهدمت كلها، فجمع بين الروايتين. ولنا: أن في كتاب أهل الجزيرة لعياض بن غنم: ولا نجدد ما خرب من كنائسنا. وروى كثير بن مرة قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تبنى الكنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها}. ولأن هذا بناء كنيسة في دار الإسلام فلم يجز، كما لو ابتدئ بناؤها. وفارق رم شعثها؛ فإنه إبقاء واستدامة، وهذا إحداث.ا.هــــ وقال المارودي في الأحكام السلطانية: ويجوز أن يبنوا ما استهدم من بيعهم وكنائسهم العتيقة.ا.هـــ وقال السرخسي: في شرح السير الكبير: فإن انهدمت كنيسة من كنائسهم القديمة فلهم أن يبنوها كما كانت، لأن حقهم في هذه البقعة قد كان مقرراً لما كانوا أعدوه له؛ فلا يتغير ذلك بانهدام البناء، فإذا بنوه كما كان فالبناء الثاني مثل الأول.ا.هـــ
والأصل أنه لا يجوز للمسلمين ـ آحاداً ولا دولاً ـ أن يساهموا في مثل هذا البناء أو الترميم؛ لأنه تعاون على الإثم والعدوان؛ إذ الكنيسة ليست بدار توحيد بل هي دار شرك وكفر بالله جل جلاله، ومعصية له سبحانه، لكن لو قدر الحاكم أن مفسدة المشاركة في مثل هذا تدفع بها مفسدة أعظم من جلب الكفار على المسلمين بخيلهم ورجلهم؛ فإن هذا يكون داخلاً في قوله تعالى {إلا أن تتقوا منهم تقاة} وهي ضرورة تقدر بقدرها، والله تعالى أعلم.