أحكام الحج والعمرة

يدخن السجائر ويتعاطى التمباك في المشاعر المقدسة

ما حكم من يشرب السجائر ويتعاطى التمباك ـ عافانا الله ـ في المناسك كمنى وغيرها؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فلا يجوز لمسلم أن يتعاطى التمباك والتبغ بجميع أنواعه ـ سيجارة أو سيجاراً أو غليوناً أو شيشة أو سفَّة ـ لا في المشاعر المقدسة ولا في غيرها من بلاد الله، محرماً كان أو غير محرم، موسراً كان أو غير موسر، ولا يجوز له الاتجار به ولا الإعانة في ذلك كله؛ لأدلة شرعية معتبرة منها:

1ـ قول الله تعالى في وصف نبيه محمد صلى الله عليه وسلم )يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلُّ لهم الطيبات ويحرِّم عليهم الخبائث( والعقلاء متفقون على كون الدخان خبيثاً في شكله وريحه وأثره

2ـ قوله تعالى {ولا تقتلوا أنفسكم} وقد ثبت ـ طباً ـ أن تناول الدخان سبب لأمراض مستعصية تؤول بصاحبها إلى الموت مثل السرطان وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛وقد ورد في إحصائيات منظمة الصحة العالمية أن التبغ يقتل سنوياً أكثر من أربعة ملايين شخص في العالم؛ فيكون متناوله قد تعاطى سبب هلاكه

3ـ قوله تعالى {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال صاحب المنار رحمه الله تعالى: قال بعضهم: يدخل فيه الإسراف الذي يوقع صاحبه في الفقر المدقع، فهو من قبيل )وكلوا واشربوا ولا تسرفوا( المنار2/213

4ـ قوله تعالى {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى نهى عن الإسراف في المباحات بمجاوزة الحد في تعاطيها، فمن باب أولى يكون النهي عن صرف المال فيما لا نفع فيه. قال الإمام أبو محمد بن حزم في المحلى: مسألة 1027: السرف حرام وهو:

  • النفقة فيما حرم الله تعالى قَلَّت أو كثرت ولو أنها قدر جزء من جناح بعوضة
  • أو التبذير فيما لا يحتاج إليه ضرورة، مما لا يبقى للمنفق بعده غنى
  • أو إضاعة المال وإن قلَّ برميه عبثاً

ومتعاطي الدخان قد تناوله كلام الإمام ابن حزم رحمه الله لكونه ينفق فيما حرَّم الله تعالى ويضيع المال بإحراقه عبثاً في غير فائدة.

5ـ قوله تعالى )ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين( وإنفاق المال في الدخان تبذير من حيث كونه إفساداً

ومن أدلة السنة المطهرة:

1ـ قوله صلى الله عليه وسلم {وأنهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال} رواه البخاري. وإنفاق المال في الدخان إضاعة له لأنه صرف له فيما لا فائدة فيه

2ـ قوله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار} أخرجه الإمام أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع (7517) فثبت أن كل ما غلب ضرره على نفعه فتناولُه حرام، وتناول الدخان موجب للضرر بمتناوله ومن يحيطون به من زوج وعيال وزملاء.

3ـ روى الإمام أحمد وأبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم {نهى عن كل مسكر ومفتِّر} قال العلماء: المفتِّر: ما يورث الفتور والخدر في الأطراف، وهذا الأثر يحدث لمتعاطي الدخان خاصة في أول أمره

ومن النظر الصحيح:

  • تناول الدخان يهدم بعض الكليات التي جاءت الشريعة بالمحافظة عليها وهي النفس والمال
  1. شارب الدخان إن فَقَدَه ضاق صدره وكثرت عليه البلابل والأفكار ولا ينشرح صدره إلا بالعودة إلى شربه
  2. شارب الدخان يستثقل الصوم جداً؛ لأنه حرمان له من شربه بعد طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فيكون الصوم مكروهاً لديه
  3. ما يصحب هذا الشيء الخبيث من نتن الرائحة المؤذية لمن يحيطون بمن يتناوله

وأما التمباك فإن الأدلة التي مضى ذكرها تتناوله بالتبع إضافة إلى أنه قد ثبت طباً أن التمباك سبب في الإصابة بسرطان اللثة القاتل كما أنه مستقذر يستقبحه الذوق السليم فلا يجوز تناوله ولا الاتجار فيه ولا الإعانة عليه.

وإذا كان ذلك كذلك فإن الإثم المترتب على متعاطي الدخان والتمباك في المشاعر المقدسة والأماكن الفاضلة ـ كمكة ومنى وعرفات ومزدلفة والمدينة ـ أعظم؛ لكونه قد آذى إخوانه حجاج البيت الحرام وزوار مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام، ثم إنه لم يعظِّم شعائر الله ولم يرع لتلك البلاد حرمتها وقد قال سبحانه {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} فالواجب على الحاج أن يجعل من وجوده في تلك البقاع الطاهرة سبباً للإقلاع عن كثير من عاداته السيئة ومن بينها تعاطي الدخان والتمباك، والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى