الصلاة في مسجد به قبر
سؤالنا عما إذا كانت الصلاة تجوز في مسجد به قبر أمام المصلين أم خلفهم أو ما شابه ذلك؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد، وذلك في أحاديث كثيرة؛ منها ما رواه الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال في مرضه الذي مات فيه {لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد} وما رواه مسلم من حديث جندب صلى الله عليه وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول {ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك} وفي مسلم عن عائشة قالت: إن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير، فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوَّروا تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة} قال الصنعاني رحمه الله: والظاهر أن العلة سدُّ الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تسمع ولا تنفع ولا تضر ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية؛ ولأنه سبب لإيقاد السرج عليها الملعون فاعله. ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر، وقد خرَّج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس قال: {لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج} وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. رواه مالك في الموطأ وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وأبو نعيم في الحلية، وصححه البزار وابن عبد البر
وقد عدَّ العلماء رحمهم الله تعالى بناء المساجد على القبور من كبائر الذنوب، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتسعون: اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واتخاذها أوثاناً، والطواف بها، واستلامها، والصلاة إليها.
وتتابع النقل عن أئمة المالكية رحمهم الله تعالى في النهي عن ذلك، ومن تلك النقول:
1ـ النهي عن تجصيص القبور، قال الإمام مالك في المدونة 1/189: أكره تجصيص القبور والبناء عليها، وهذه الحجارة التي يبنى عليها.
2ـ النهي عن البناء عليها، قال ابن رشد في مقدمته/174: كره مالك البناء على القبر وجعل البلاطة المكتوبة. وقال ابن أبي زيد في الرسالة: ويكره البناء على القبور وتجصيصها.أ.هـ قال شارحها في الفواكه الدواني 1/291: وأما القبب ونحوها مما يضرب على القبر فلا شك في حرمتها في الأرض المحبَّسة على دفن الأموات لما في ذلك من التحجير على ما حق لعموم المسلمين. وكما يكره البناء على القبور على الوجه المذكور يكره تجصيصها أي تبييضها لما رواه مسلم وغيره من نهيه عليه الصلاة والسلام على تجصيص القبر والبناء عليه.
3ـ النهي عن اتخاذها مساجد، قال ابن عبد البر في التمهيد 1/168: يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء والصالحين مساجد. وقال القرطبي في تفسيره 10/380: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد.
وأما الصلاة في المسجد الذي حوى قبراً فهي صحيحة عند جمهور العلماء، ولا يلزمه إعادة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم المالكية والحنفية والشافعية وهي رواية عن أحمد رحمهم الله جميعاً. والله تعالى أعلم.