الجمع بين نية القضاء والتطوع
هل يجوز جمع النية بين صيام الأيام البيض من شوال مع الأيام المقضية من شهر رمضان؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فلا يجوز الجمع بين نية القضاء ونية صيام ست من شوال في عمل واحد؛ وهذه المسألة هي المعروفة عند العلماء بمسألة التشريك ـ أي الجمع بين عبادتين بنية واحدة ـ وخلاصة ما ذكروه أن التشريك يصح في الوسائل أو فيما يتداخل؛ كما لو اغتسل الجنب يوم الجمعة بنية رفع الجنابة وغسل الجمعة معاً، فترتفع جنابته ويحصل له ثواب غسل الجمعة. وكذلك لو كانت إحدى العبادتين مقصودةً لذاتها والأخرى غير مقصودة كما لو دخل داخلٌ المسجد فصلَّى سنة الفجر ونوى معها تحية المسجد، إذ الأخيرة غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود شغلُ المكان بالصلاة وقد حصل، بخلاف ما لو كانت العبادتان مقصودتين لذاتهما كمن أراد قضاء سنة الفجر بعد طلوع الشمس ونوى معها سنة الضحى فلا يصح؛ إذ كل واحدة منهما مستقلة عن الأخرى مطلوبة لذاتها، ومثله ما يسأل عنه الناس من الجمع بين الصوم الواجب ـ أداءً أو قضاءً أو نذراً أو كفارةً ـ مع صيام مستحب كصيام ست من شوال إذ كل منهما مقصود لذاته فلا يصح التداخلُ والجمعُ بينهما بنية واحدة. ثم إن الفريضة أهمُّ من النافلة وآكد؛ لقوله تعالى {وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إلي مما افترضت عليه} ، ولذلك قال كثير من العلماء: إن من جمع بين قضاء رمضان وصيام ست من شوال في عمل واحد فإنه يقع قضاءً عن رمضان فقط. وقال بعضهم ـ ومنهم ابن حزم الظاهري ـ لا يصح عن أحدهما. قال رحمه الله: ومن مزج نية صيام فرض بفرض آخر أو تطوُّع، أو فعل ذلك في صلاة أو زكاة أو حج أو عمرة أو عتق لم يُجْزِه لشيء من ذلك وبطل ذلك العملُ كلُّه، صوماً كان أو صلاة أو زكاة أو حجاً أو عمرة أو عتقاً إلا مزج العمرة بالحج لمن أحرم ومعه الهدي فقط فهو حكمه اللازم له.أ.هـ
هذا وفي المسألة خلاف يسير حيث ذهب بعض أهل العلم إلى صحة الجمع بين نية القضاء وصيام ست من شوال؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى} وهذا قد نواهما جميعا، ففي الشرقاوى على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى: ولو صام فيه ـ أي شوال ـ قضاءً عن رمضان أو غيره نذراً أو نفلاً آخر، حصل له ثواب تطوعها، إذ المدار على وجود الصوم في ستة أيام من شوال ـ وإن لم يعلم بها أو صامها عن أحد ـ لكن لا يحصل له الثواب الكامل المترتب على المطلوب إلا بنية صومها عن خصوص الست من شوال، ولا سيما من فاته رمضان؛ لأنه لم يصدق أنه صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال.[1]أ.هـ وفي حاشية الخطيب على البيجرمي: قوله : ( وصوم ستة من شوال) أي وجود صوم ستة أيام من شوال وإن لم يعلم، أو صامها عن نذر أو نفل آخر أو قضاء عن رمضان أَو غيره.
[1] الشرقاوي على التحرير 1/427