حكم تعدد الزوجات
ما حكم تعدد الزوجات؟ وهل له أسباب إذا توفرت جاز للرجل أن يعدد وإذا كان من غير أسباب بل من أجل الاستمتاع فقط هل يجوز ؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فيجوز للمسلم أن يتزوج بأكثر من واحدة إذا أنس من نفسه العدل؛ أما إذا كان لا يعدل فلا يجوز له، بل يجب عليه الاكتفاء بواحدة؛ لقوله تعالى )فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة( وليس صحيحاً ما يظنه بعض الناس أن الزواج بثانية لا ينبغي إلا إذا قام بالإنسان سبب موجب ككون الأولى عاقراً، أو مريضة لا يتأتى معها المعاشرة في الفراش، أو أنها عجوز قد انقطع عنها إرب الرجال، أو غير ذلك من الأسباب، بل يصح للمسلم أن يتزوج بثانية ولو كانت الأولى صالحة طيبة ودوداً ولوداً شابة، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام؛ وفي صحيح البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما قال لسعيد بن جبير: هل تزوجت؟ قال: لا. قال: {فتزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء} يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم. يقول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى: إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كلُّ العُقَلاء:
منها – أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض، وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأُمة، فلو حُبس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلاً في غير ذنب
ومنها – أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عدداً من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة؛ فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة؛ فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير! )كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير(
ومنها – أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم؛ فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج؛ فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة وتفشي الرزيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية، كما هو واضح؛ فإن خاف الرجل ألا يعدل بينهن، وجب عليه الاقتصار على واحدة، أو ملك يمينه؛ لأن الله يقول {إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان} والميل بالتفضيل في الحقوق الشرعية بينهن لا يجوز؛ لقوله تعالى {فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الميل فَتَذَرُوهَا كالمعلقة} أما الميل الطبيعي بمحبة بعضهن أكثر من بعض، فهو غير مستطاع دفعه للبشر، لأنه انفعال وتأثر نفساني لا فعل، وهو المراد بقوله {وَلَن تستطيعوا أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النساء} وما يزعمه بعض الملاحدة من أعداء دين الإسلام، من أن تعدد الزوجات يلزمه الخصام والشغب الدائم المفضي إلى نكد الحياة، لأنه كلما أرضى إحدى الضرتين سَخطت الأخرى؛ فهو بين سخطتين دائماً – وأن هذا ليس من الحكمة! فهو كلام ساقط، يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه البتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة؛ فهو أمر عادي ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه أعداء الإسلام – كلا شيء، لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى.
فلو فرضنا أن المشاغَبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة التي ذكرنا، كما هو معروف في الأصول؛ فالقرآن أباح تعدّد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطّل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها؛ لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية. والعلم عند الله تعالى