العقيدة

كفر الإباء والإستكبار

لو قيل لبالغة: تحجبي. فقالت: لا. هل تعتبر كافرة كفر إباء واستكبار؟ أو قيل لرجل يشهد أن لا إله إلا الله: لا تأكل الربا. فقال: آكله. هل يعتبر كافراً كفر إباء واستكبار؟

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

فإطلاق كلمة الكفر على مسلم من الخطورة بمكان، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن ذلك؛ فروى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {إذا قال الرجل  لأخيه يا كافر فقد  باء به أحدهما} وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  {أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه} وفي الرواية الأخرى {أيما رجل قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه} وفي رواية {ومن دعا رجلاً بالكفر، أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه} قال النووي رحمه الله: قيل في تأويل الحديث أوجه: أحدها أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، فعلى هذا معنى {باء بها} أي بكلمة الكفر، وكذا حار عليه، وهو معنى  رجعت عليه، والوجه الثاني: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصيته تكفيره، والثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، والوجه الرابع: معناه يئول به إلى الكفر؛ وذلك أن المعاصي ـ كما قالوا ـ بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر، والوجه الخامس: معناه فقد رجع عليه تكفيره؛ فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير؛ لكونه جعل أخاه المؤمن كافراً؛ فكأنه كفر نفسه؛ إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام.ا.هـ

فالذي أنصح به الأخ السائل أن يتورع في إطلاق كلمة الكفر؛ لما يترتب على ذلك من الشر العظيم، وأما ما سألت عنه من معنى كفر الإباء والاستكبار؛ فإن القرآن الكريم قد وصم إبليس ـ لعنه الله ـ بهذا النوع؛ فقال سبحانه {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين} وحقيقة هذا النوع أن يكون العبد عالماً بصدق الرسول، وأنه جاء بالحق من عند الله تعالى، لكن لا ينقاد لحكمه ولا يذعن لأمره؛ استكباراً وعناداً؛ وأشراً وبطراً؛ كحال اليهود الذين قال الله فيهم {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين}

وأما القائل لمن أمره بأمر شرعي: لا؛ فلا شك أنه على خطر عظيم؛ لكن لا يحكم عليه بالكفر حتى يُعلم من حاله أنه مستكبر على الشرع، محتقر لأهله؛ متعمد للإزراء بهم، والله الموفق والمستعان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى