التنكيس في القرآن
ما هو التنكيس في القرآن؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالتنكيس في القرآن محمول على وجهين: أولهما تنكيس الآيات، وذلك بأن يقرأ من آخر السورة إلى أولها، وكان جماعة يصنعون ذلك في القصيدة من الشعر؛ مبالغة في حفظها وتذليلاً للسانه في سردها، فمنع السلف ذلك في القرآن؛ فهو حرام فيه. والوجه الثاني قراءة السور على غير ترتيب المصحف وهو خلاف الأولى، قال ابن بطال رحمه الله تعالى: لا نعلم أحداً قال بوجوب ترتيب السور في القراءة لا داخل الصلاة ولا خارجها، بل يجوز أن يقرأ الكهف قبل البقرة، والحج قبل الكهف مثلاً.ا.هـ وقال النووي رحمه الله تعالى: الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف؛ فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران ثم ما بعدها على الترتيب، وسواء قرأ في الصلاة أو في غيرها؛ حتى قال بعض أصحابنا: إذا قرأ في الركعة الأولى سورة {قل أعوذ برب الناس} يقرأ في الثانية بعد الفاتحة من البقرة! قال بعض أصحابنا: ويستحب إذا قرأ سورة أن يقرأ بعدها التي تليها، ودليل هذا أن ترتيب المصحف إنما جُعل هكذا لحكمة؛ فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه؛ كصلاة الصبح يوم الجمعة يقرأ في الأولى سورة السجدة وفي الثانية {هل أتى على الإنسان} وصلاة العيد في الأولى قاف وفي الثانية {اقتربت الساعة} وركعتي سنة الفجر في الأولى {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحد} وركعات الوتر في الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالث {قل هو الله أحد} والمعوذتين، ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز؛ فقد جاء بذلك آثار كثيرة؛ وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف، وفي الثانية بيوسف، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف وروى ابن أبي داود عن الحسن: أنه كان يكره أن يقرأ القرآن إلا على تأليفه في المصحف، وبإسناده الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قيل له: إن فلاناً يقرأ القرآن منكوساً؟ فقال: ذلك منكوس القلب. وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فممنوع منعاً متأكداً؛ فإنه يُذهِب بعض ضروب الإعجاز، ويزيل حكمة ترتيب الآيات، وقد روى ابن أبي داود عن إبراهيم النخعي الإمام التابعي الجليل والإمام مالك بن أنس أنهما كرها ذلك، وأن مالكاً كان يعيبه ويقول: هذا عظيم، وأما تعليم الصبيان من آخر المصحف إلى أوله فحسن وليس هذا من هذا الباب؛ فإن ذلك قراءة متفاضلة في أيام متعددة مع ما فيه من تسهيل الحفظ عليهم، والله أعلم.