الفتاوى

سد الذريعة والمصلحة الراجحة

يقول العلماء: ما حرم سداً للذرائع أبيح للمصلحة الراجحة!! والسؤال هل كلمة الراجحة قيدٌ في القاعدة؟ وهل يُحترز بكلمة الراجحة عن شيء؟ برجاء الإيضاح مع ذكر الأمثلة. ومن الذي يحدِّد أن هذه المصلحة راجحة من عدمها؟ وما هو الضابط؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فهذه قاعدة فقهية تعني أن أموراً قد حرَّمها الشرع؛ لا لكونها حراماً في ذاتها، بل لأنها مؤدية إلى الحرام وذريعة موصلة إليه، وهذه التي حرمت سداً للذريعة فإنها تباح إذا كان ثمة مصلحة راجحة، ومن ذلك مثلاً تحريم النظر إلى الأجنبية لأنه ذريعة إلى الزنا؛ فقد أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب من جملة النظر المُحرَّم لأن المصلحة هنا راجحة.

وكذلك اختلاط الرجال بالنساء ممنوع في الشريعة لكونه ذريعة على الحرام، لكنه يباح إذا كان ثمة مصلحة راجحة؛ في حديث فاطمة بنت قيس في الصحيحين: “فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ, ثُمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي, اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ. فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى, تَضَعِينَ ثِيَابَكَ, فَإِذَا حَلَلْتِ فَآذِنِينِي} فلما كانت الزيارة ها هنا لأم شريك من أناس فضلاء ثقات مشهود لهم بالخيرية والورع والإيمان لامرأة هي كذلك من أهل التقوى والورع، ومع وجود المصلحة المعتبرة ومع أمن الخلوة والفتنة انتفت حرمة الاختلاط. قال أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى 23/214: ما كان من باب سد الذريعة إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا ينهى عنه.ا.هـــــ

وقال ابن القيم في إعلام الموقعين 2/161: “ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبُّه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة” انتهى

وكلمة الراجحة قيد في القاعدة؛ إذ اعتبار المصلحة لا يكون إلا بكونها حقيقية لا متوهمة راجحة لا مرجوحة، وهذا الرجحان يقرره أهل العلم والبصيرة الذين يحسنون استخدام ميزان الشرع في ترجيح المصالح والمفاسد ويفقهون الواقع وما عليه الناس، وليس ذلك متروكاً لأهواء الناس ورغباتهم، والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى