عقيدة الثالوث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا عبد الحي، حياكم الله
هل من النصارى من يقر بعبودية نبي الله عيسى وأمه مريم عليهما السلام؟
ما قصدهم بعقيدة الثالوث (الاب والابن والروح القدس)؟ ولماذا لم يدرجوا مريم عليها السلام في هذه الثلاثية، علما بأن بعضهم يعتبرها إلها؟ تعالى الله عما يقولون
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالنصرانية هي الرسالة أنزلها الله تعالى على عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إلى بني إسرائيل بعد أن انحرفوا وزاغوا عن شريعة موسى عليه السلام، وغلبت عليهم النزعات المادية، وقد بلغ المسيح عليه السلام رسالة ربه، وتآمر عليه اليهود فأرادوا قتله فلم يمكنهم الله منه {بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما} وبعدما رُفع المسيح عليه الصلاة والسلام، اشتد الإيذاء والتنكيل بأتباعه وحوارييه بوجه خاص، وذلك على يد اليهود الذين كانت لهم السيطرة الدينية، وكذلك الرومان الذين كانت لهم السلطة والحكم.
ودخل في النصرانية شاؤول اليهودي وسمى نفسه بولس، حيث أحدث في النصرانية فساداً عظيماً؛ حين استعار من فلاسفة اليونان فكرة اتصال الإله بالأرض عن طريق الكلمة، أو ابن الإله، أو الروح القدس، وترتيبه على ذلك القول بعقيدة الصلب والفداء، وقيامة المسيح وصعوده إلى السماء؛ ليجلس على يمين الرب ليحاسب الناس في يوم الحشر!!
هذا وقد اختلفت فرق النصارى وتضاربت عقائدهم بين من يُؤَلِّه المسيح وأمه، أو من يؤله المسيح فقط، أو يدعي وجود ثلاثة آلهة: إله صالح، وإله طالح، وآخر عدل بينهما {سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا}
والنصارى المعاصرون تجمع بينهم أفكار ومعتقدات رئيسة يمكن إجمالها في أصول خلاصتها:
أولاً: في الألوهية والتثليث تؤمن بالله الواحد الذي يسمونه (الأب) مالك كل شيء وصانع ما يرى وما لا يرى، وهم في هذا اللفظ (صانع) متأثرون بالفلاسفة؛ فقد كان أولى بهم أن يقولوا (خالق) لأن الصانع يخلق على أساس مثال سابق، بينما الخالق على العكس من ذلك.
ثانياً: تؤمن بأن المسيح هو ابن الله الوحيد – تعالى الله عما يقولون – وأنه بكر الخلائق، ولد من أبيه قبل العوالم، وليس بمصنوع، ومنهم من يعتقد أنه هو الله نفسه – سبحانه وتعالى عن إفكهم – وقد أشار القرآن الكريم إلى كلا المذهبين، وبيَّن فسادهما، وكفَّر معتقدهما؛ يقول تعالى: {وقَالت اليهودُ عُزيرٌ ابنُ الله وقَالت النصارى المسيحُ ابن الله} وقال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيحُ ابنُ مَريم}.
ثالثاً: أن روح القدس الذي حلَّ في مريم لدى البشارة، وعلى المسيح في العماد على صورة حمامة، وعلى الرسل من بعد صعود المسيح، الذي لا يزال موجوداً، وينزل على الآباء والقديسين بالكنيسة يرشدهم ويعلمهم ويحل عليهم المواهب، ليس إلا روح الله وحياته، إله حق من إله حق.
ولذلك يؤمنون بالأقانيم الثلاثة: الأب، الابن، الروح القدس، بما يُسمونه في زعمهم وحدانية في تثليث وتثليث في وحدانية. وذلك زعمٌ باطل صعُب عليهم فهمه، ولذلك اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً، وكفَّرت كل فرقة من فرقهم الأخرى بسببه، وقد حكم الله تعالى بكفرهم جميعاً إن لم ينتهوا عما يقولون، قال تعالى: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم}
خامساً: عقيدة الصلب والفداء؛ حيث إن المسيح في نظرهم مات مصلوباً فداءً عن الخليقة، لشدة حب الله للبشر ولعدالته، فهو وحيد الله – تعالى الله عن كفرهم – الذي أرسله ليخلص العالم من إثم خطيئة أبيهم آدم وخطاياهم، وأنه دفن بعد صلبه، وقام بعد ثلاثة أيام متغلباً على الموت ليرتفع إلى السماء.
وقد قال تعالى مبيناً حقيقة ما حدث وزيف ما ادعوه: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً}
سادساً: يعتقدون بأن الحساب في الآخرة سيكون موكولاً للمسيح عيسى ابن مريم الجالس – في زعمهم – على يمين الرب في السماء؛ لأن فيه من جنس البشر مما يعينه على محاسبة الناس على أعمالهم.
سابعاً: الصليب: يعتبر الصليب شعاراً لهم، وهو موضع تقديس الأكثرين، وحملُه علامة على أنهم من أتباع المسيح، ولا يخفى ما في ذلك من خفة عقولهم وسفاهة رأيهم، فمن الأولى لهم أن يكرهوا الصليب ويحقروه لأنه كان أحد الأدوات التي صلب عليه إلههم وسبب آلامه. وعلى حسب منطقهم فكان الأولى بهم أن يعظموا قبره الذي زعموا أنه دفن فيه، ولامس جسده تربته فترة أطول مما لامس الصليب.
ثامناً: مريم البتول: يعتقد النصارى على ما أضيف في قانون الإيمان أن مريم ابنة عمران والدة المسيح عليه السلام، هي والدة الإله، ولذا يتوجَّه البعض منهم إليها بالعبادة.
تاسعاً: يؤمن النصارى بقدسية الكتاب المشتمل على:
العهد القديم والذي يحتوي التوراة – الناموس – وأسفار الأنبياء التي تحمل تواريخ بني إسرائيل وجيرانهم، بالإضافة إلى بعض الوصايا والإرشادات.
وكذلك العهد الجديد: والذي يشمل الأناجيل الأربعة: (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) فقط، والرسائل المنسوبة للرسل، على أن ما في العهد الجديد يلغي ما في العهد القديم، لأنه في اعتقادهم كلمة الله، وذلك على خلاف بين طوائفهم في الاعتقاد في عدد الأسفار والرسائل بل وفي صحة التوراة نفسها.
عاشراً: الختان: يؤمنون بعدم الختان للأطفال على عكس شريعة التوراة.
أما الشعائر والعبادات: فالصلاة عندهم إنما هي الصلاة الربانية، والأصل في تلاوتها أن يتلوها المصلي ساجداً، أو تكون بألفاظ منقولة أو مرتجلة أو عقلية بأن تنوي الألفاظ ويكون الابتهال قلبيًّا، وذلك على خلاف كبير بين طوائفهم في عددها وطريقة تأديتها. ليس لها عدد معلوم مع التركيز على صلاتي الصباح والمساء.
وأما الصوم فهو الامتناع عن الطعام الدسم وما فيه شيء من الحيوان أو مشتقاته مقتصرين على أكل البقول، وتختلف مدته وكيفيته من فرقة إلى أخرى.
وعموماً فإن النصارى يُعتبرون بالنسبة للمسلمين أهل كتاب مثل اليهود، وحكمهم في الإسلام سواء، فقد كذَّبوا برسول الله وآياته، وأشركوا بالله، فهم بذلك كفار لهم نار جهنم خالدين فيها. يقول تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} لكنهم مع ذلك يعاملون بما أمر الله تعالى به من الإحسان والبر والقسط إليهم، وأكل طعامهم والتزوج من نسائهم، طالما أنهم لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا، فهم أهل ذمة إذا عاشوا في ديار المسلمين،؛ ما لم ينقضوا عهدهم فإن نكثوا عهدهم وتجرؤوا على الإسلام والمسلمين؛ بأن حاولوا الدعوة إلى باطلهم وكفرهم بين أبناء المسلمين، أو طعنوا في الدين مثلاً، فلابد من قتالهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله. والعلم عند الله تعالى