زوال العقل المسقط للتكليف
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل وضعت الشريعة معياراً معيناً لزوال العقل الذي تسقط معه التكاليف الشرعية.. أفيدونا مشكورين مأجورين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فالعقل هو مناط التكليف، ومن سلب نعمة العقل سقط عنه التكليف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق) والجنون: هو اخْتِلاَلٌ لِلْعَقْل يَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ الأْفْعَال وَالأْقْوَال عَلَى نَهْجِ الْعَقْل. وَقِيل: الْجُنُونُ اخْتِلاَل الْقُوَّةِ الْمُمَيِّزَةِ بَيْنَ الأْشْيَاءِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ الْمُدْرِكَةِ لِلْعَوَاقِبِ بِأَنْ لاَ تَظْهَرَ آثَارُهَا، وَأَنْ تَتَعَطَّل أَفْعَالُهَ
وَالْجُنُونُ يُؤَثِّرُ فِي أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ، فَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ.
وَأَمَّا الْمُعَامَلاَتُ، فَحُكْمُ المجنون فِيهَا حُكْمُ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَلاَ يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِ لاِنْتِفَاءِ تَعَقُّلِهِ لِلْمَعَانِي. وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْجُنُونُ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ، وَالْمُتْلَفَاتُ بِسَبَبِ أَفْعَالِهِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَصِل إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ.
وَيَنْقَسِمُ الْجُنُونُ أَيْضًا إِلَى مُطْبِقٍ وَغَيْرِ مُطْبِقٍ:
وَالْمُرَادُ بِالْمُطْبِقِ الْمُلاَزِمُ الْمُمْتَدُّ. وَالاِمْتِدَادُ لَيْسَ لَهُ ضَابِطٌ عَامٌّ بَل يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَادَاتِ.
ودون درجة الجنون العته، وهو فِي اللُّغَةِ: نُقْصَانُ الْعَقْل مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهْشٍ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْل، فَيَصِيرُ صَاحِبُهَا مُخْتَلَطَ الْكَلاَمِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ.
وَالْمَعْتُوهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْقَاصِرَةِ، إِذْ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ، والله تعالى أعلم