وسوسة في الصلاة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. عندما أريد أن أصلي الفريضة يأتي في خاطري أشخاص وكأني أريد الصلاة لهم لا لله تعالى، وكذلك أنوي صلاة الفريضة فيأتي في خاطري أني أريد أن أصلي السنة، وأجد صعوبة أحياناً في دفع هذه الخواطر، فما الحل لذلك؟ وأحياناً بعد الانتهاء من قضاء الحاجة – وأثناء الوضوء وبعده وفي الصلاة – أشعر باضطراب في المعدة وقد يخرج الريح، فهل أعيد الوضوء والصلاة إذا خرج مني الريح؟ وكذلك أعاني من الصداع المزمن منذ عام 2003 وإلى الآن؛ فأحياناً عندما أصلي يحدث معي حركات خفيفة غير إرادية، هل تؤثر هذه الحركات علی صحة الصلاة؟ وأعاني من صعوبة نطق بعض كلمات سورة الفاتحة؛ فمثلاً أتأخر في نطق كلمة الحمد، وكذا عندما اقرأ الفاتحة في الصلاة أتحرك من صعوبة نطق الآيات! فهل تؤثر هذه الحركات علی صحة الصلاة؟ آسف على طول السؤال، وأرجو منكم الإجابة فهذه الأمور تقلقني، وأحياناً أعيد الصلاة أكثر من مرة بسبب هذه المشاكل .. وبارك الله فيكم ووفقكم للخير.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فأنت يا أخي مبتلى بالوسواس، لكن أمرك خفيف إن شاء الله تعالى لأن وسواسك في الصلاة لا في أمور المعتقد، والوسوسة هي ما يلقيه الشيطان في القلب من الخطرات الرديئة وعمل الشر، فيحرص الشيطان ـ قاتله الله ـ على أن يلقي الشكوك في قلب المسلم تجاه ربه جل جلالـه ونبيه صلى الله عليه وسـلم وكتابه الكريم؛ تارة بصور رديئة وأخرى بألفاظ خبيثة؛ حتى إن المرء ليقع في حيرة من أمره أهو مؤمن حقاً؟ أم في إيمانه شك؟ ولا بد أن يعلم الناس أنه ليس في الأمر جديد؛ فقد شكا الصحابة رضي الله عنهم وهم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها هدياً وأقلها تكلفاً من مثل هذا؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسـلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال “وقد وجدتموه؟” قالوا: نعم، قال “ذاك صريح الإيمان” وأحياناً تكون الوسوسة في قضية الخلق، هل للعالم خالق؟ فمن خلق الخالق؟ وهذه أيضاً يعاني منها الناس من قديم، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسـلم إلى المخرج منها، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم “لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله” والسلف الصالحون رضي الله عنهم كانوا يهوِّنون من شأن خواطر السوء هذه، ويعدونها أمراً عادياً لا تستحق الوقوف عندها؛ فقد سأل أبو زحيل عبدَ الله بنَ عباس رضي الله عنهما فقال: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به، قال: فقال لي: أشيءٌ من شك؟ قال: وضحك، قال: ما نجا من ذلك أحد، قال: حتى أنزل الله عز وجل {فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتَابَ مِن قَبْلِك} فقال لي: إذا وجدت من نفسك شيئاً فقل {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}. رواه أبو داود وسنده جيد
واعلم ـ أخي ـ أن الوسوسة لا يؤاخذك الله بها؛ لأنها بسبب خارج عن إرادتك؛ وقد قال الله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا نكلف الله نفساً إلا وسعها} وقال {لا تكلف نفس إلا وسعها} وقال {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها} وقال {فاتقوا الله ما استطعتم} وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال “إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم” وهذا في الحالات العادية فكيف بالمبتلى بالوسواس، الذي لا يملك له دفعاً إلا أن يشاء الله رب العالمين. فلا يهولنك ما تجد في نفسك، واعلم بأن الوسواس ما تسلط عليك إلا لكونك مؤمناً بالله واليوم الآخر.
وعليك ـ أخي ـ أن تكثر من ذكر الله وتلاوة القرآن والمشاركة في المجالس الطيبة ومعاشرة الصالحين من عباد الله، والجأ إلى الله بالدعاء ليعافيك مما أنت فيه، وأسأل الله لك شفاء عاجلاً غير آجل. وجواباً على أسئلتك أقول:
أولاً: الخواطر التي تعتريك بأنك تصلي لأشخاص أو أنك تصلي بدل الفريضة سنة لا تأثير لها في صحة صلاتك، ومدافعتها تكون بالتفل عن يسارك ثلاثاً والاستعاذة بالله من الشيطان، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسـلم عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه إلى ذلك حين شكا إليه تلبيس الشيطان عليه في صلاته.
ثانياً: ما ابتليت به من الشعور بخروج الريح قد يكون وسوسة أيضاً، وقد يكون مرضاً يسمى انفلات الريح، ومهما يكن من أمر فالمطلوب منك اللجوء إلى الطبيب والتماس العلاج؛ فإن تبين أنه مزمن فالواجب عليك الوضوء لكل صلاة بعد دخول وقتها ثم لا يضرك ما خرج بعد ذلك ولو كان في أثناء الصلاة؛ لعموم قوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} وقول النبي صلى الله عليه وسـلم “ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم”
ثالثاً: الحركات الخفيفة وصعوبة نطق كلمات بعض الآيات لا تؤثر في صحة صلاتك، والعلم عند الله تعالى.