عدم البكاء عند سماع القرآن
أجد أناساً يبكون عند سماعهم القرآن وتحديداً (الزواجر) أما أنا فلا يحدث لي بكاء، بينما أتأثر إلى درجة أني أذرف الدمع عند سماع الوعظ من المشايخ والدعاة، فما سبب ذلك؟ دلوني فأنا أخاف على نفسي من النفاق.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فالبكاء عند سماع القرآن من سمة عباد الله الصالحين الذين ذكرهم ربنا جل جلاله في كتابه فقال {إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا @ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} وقال سبحانه {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} وفي مقابل هؤلاء صنف محروم مشئوم لا يزيدهم سماع القرآن إلا صدوداً وإعراضاً، وبين الصنفين صنف ثالث وهم المؤمنون بالقرآن المصدقون بوعده ووعيده المعظمون لشأنه لكنهم لا يبكون عند سماعه ولا يتأثرون بمواعظه، وهؤلاء دواؤهم في قول النبي صلى الله عليه وسلم (اقرؤوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) رواه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه فعليه أن يجتهد في استدرار دموعه بالتفكر في آيات كتاب ربه، فإن لم يحصل له البكاء فعليه أن يتكلفه لعل الله يرحمه، ودواؤهم كذلك في التأمل في سير الصالحين ليروا كيف كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا صلى بالجماعة الصبح فقرأ سورة يوسف بكى حتى تسيل دموعه على ترقوته، وحتى سمعوا بكاءه من وراء الصفوف، وكيف كان ابن عباس رضي الله عنه تحت عينيه مثل الشراك البالي من الدموع. قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: البكاء مستحب مع القراءة وعندها، وطريقه في تحصيله: أن يُحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك فإن لم يحضره حزن وبكاء يحضر الخواص؛ فليبكِ على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب.أ.هـ
وأما بكاؤك عند سماع الوعظ من الدعاة فهو دليل خير إن شاء الله وما زال دأب الصالحين كذلك، وقد قرأنا في السنة حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون) رواه الترمذي وحديث أنس رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط؛ قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين} رواه البخاري، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في موعظة النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار قال (فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم) رواه أحمد. فأنت أيها السائل على خير ما دمت كذلك، وأسأل الله أن يرزقنا جميعاً الخشوع والإنابة، والله تعالى أعلم.