العقيدة

يمنعون الحديث عن التوحيد

في منطقتنا يوجد مسجد لجماعة من الصوفية به اختلافات كثيرة بين هذه الجماعة وأهل الحي (أغلبية المصلين) إمام هذا المسجد ضعيف الشخصية لكنه حافظ القرآن، حيث يمنعون أي محاضرة أو درس يحتوي علي موضوع (التوحيد والشرك) عندما نسألهم عن السبب يقولون: بتجيب المشاكل، إلا أنهم لا يمتنعون عن مواضيع الصلاة والصوم وغيرها، ويتضايقون من أهل السنة ويصفونهم بـ(الوهابية) مع العلم أن أغلبية المصلين يجهلون أحكام الصلاة والدين.

وأيضاً هناك دعاء يقال بعد الصلوات من قبل الإمام والمداومة علي قنوت الصبح (ثابت) مع العلم أنا أصلي معهم الصلوات الخمس عدا الجمعة أصليها ببعض المساجد. ماحكم اطلاق كلمة وهابي؟ أفيدونا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فالواجب على المسلمين أن يعظموا حرمات بعضهم البعض وأن يمتنعوا عن كل ما فيه أذى، سواء بالقول أو الفعل، وقد قال سبحانه {ولا تنابزوا بالألقاب} وقال النبي صلى الله عليه وسـلم “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” وحسبه أن يكون ناصحاً آميناً آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر من غير أن يجرح الناس ولا يؤذيهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسـلم ما كان فظاً ولا غليظاً ولا سخاباً بالأسواق ولا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، وما كان يواجه أحداً بشيء يكرهه، وقد قال الله له {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر} إذا تبينت هذه الأصول فإنني أجيب عن أسئلتك فأقول:

أولاً: الأصل في المساجد أنها بنيت لذكر الله وتلاوة القرآن وإقام الصلاة وتعليم العلم؛ ولا يجوز منع من أراد أن يذكِّر الناس أو ينصحهم أو يعلمهم، ما دام يبذل علماً نافعاً وهو في ذلك يتحلى بالحكمة والموعظة الحسنة وقد غلب صوابه على خطئه، ومن منعه أو حرض عليه يُخشى أن يدخل فيمن قال الله فيهم {ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين. لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم}

ثانياً: الدعوة إلى التوحيد هي لبُّ الدين وأساسه؛ وهي التي بدأ بها كل رسول؛ كما قال سبحانه مخاطباً نبيه عليه الصلاة والسلام ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)) وقال سبحانه ((وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)) وكان كل نبي يقول لقومه ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) ويدخل في ذلك التحذيرُ من أنواع الشرك، وحضُّ الناس على أن يفردوا ربهم جلَّ جلاله بأنواع العبادة كلها، وأن يَقدُروه حق قدره؛ وهذا الذي ينبغي تقديمه على كل شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسـلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن “إنك ستأتي قوماً أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة…الحديث” فقدَّم صلى الله عليه وسـلم التوحيد على العبادات العملية، والتي هي ثمرة التوحيد ومظهره العملي، ولا يجوز أن يقال: إن هذه الدعوة تفرِّق صف الأمة، بل هي السبيل الصحيح لوحدة دائمة لا مؤقتة، ولكن لا بد من التنبيه على مسائل يغلط فيها بعض الناس:

أولاها: أن ثمة فرقاً بين الدعوة إلى التوحيد والإساءة إلى المدعوين؛ فإن بعض الناس يظن أن من لوازم الدعوة إلى التوحيد ذكر المخالفين بأسمائهم أو طوائفهم وطرقهم، والتشنيع عليهم وربما السخرية منهم ومن عقائدهم ومشايخهم المعظَّمين عندهم، مما يفضي إلى إعراضهم عن قبول الحق واستمساكهم بما هم عليه من الباطل، وقد قال الله تعالى ((وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ))

ثانيها: ليس من لوازم الدعوة إلى التوحيد الإغلاظ على الناس واستعمال الشدة معهم، بل الإغلاظ يكون على الكفار والمنافقين حال الجهاد ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) وإلا فإن الأصل في الدعوة أن تكون بالرفق وبالتي هي أحسن حتى مع الكافر ((وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) والكتابي ))وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)) وقد علمنا من قطعيات الدين بأن الرفق لا يعدله شيء، وأن لين القول والمجادلة بالحسنى والدفع بالتي هي أحسن أمور مطلوبة مع الكافر الأصلي؛ فكيف بالمسلم الذي تلبَّس بشيء من البدع أو المعاصي؟ فكيف لو كانت تلك التي توصف بالبدع أموراً مختلفاً فيها وقد قال بها من أئمة العلم الأقدمين والمحدثين كثيرون؟ ألا فليعلم المنصفون أنه لا تلازم بين الدعوة إلى ما كان عليه المصطفى صلى الله عليه وسلم من الهدى والنور وبين الوقوع في أعراض الناس، وهمزهم ولمزهم أحياءً كانوا أو أمواتا. وبعض من يعتقد أنه داعية التوحيد فيه من الخفة والطيش وإثارة للعداوة والبغضاء شيء كثير، وهو بأسلوبه هذا لن يرشد غافلاً ولن يهدي ضالاً، ومفسدة كلامه تربو على مصلحته إن كان في كلامه مصلحة.

ثالثها: الدعوة إلى التوحيد مجال واسع قد يلج إليه الشخص من خلال تفسير  آية من القرآن أو شرح حديث في السنة أو سرد موقف من السيرة أو بيان حكم في الفقه العملي، أو غير ذلك من أبواب العلم، وليس من شرط بيان التوحيد أن يكون الدرس أو الخطبة أو الكتاب معنوناً بهذا العنوان؛ والداعية البصير قد يتناول التوحيد ويشرحه حين يتحدث عن السيرة أو التفسير أو الحديث أو الفقه، فالعلوم الإسلامية متضافرة يخدم بعضها بعضاً، وليس بالضرورة أن يكون عنوان الدرس (التوحيد) من أجل أن يكون توحيدا؛ فإن الله تعالى ما تعبدنا بالأسماء، والنظر الشرعي إنما يكون في المضامين لا العناوين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسـلم يدعو إلى الله تعالى وإلى دينه بطرح سؤال أو سرد قصة أو ضرب مثل أو غير ذلك من الأساليب، وما ينبغي لعاقل أن يحجِّر واسعاً؛ ليسعى بعد ذلك في تصنيف الناس: هذا يدعو إلى التوحيد، وهذا لا يدعو إليه

رابعها: ليست الدعوة إلى التوحيد قاصرة على بيان شرك القبور، بل يشمل ذلك أبواباً كثيرة من العلم كلها داخل تحت هذا العنوان الكبير، فنهي الناس عن الرياء والطيرة وتعليق التمائم توحيد، كما أن أمرهم بالتوكل على الله واللجوء إليه والاستغاثة به والنذر له وإخلاص العمل له وموالاة المسلمين والبراءة من الكافرين توحيد، وكذلك الحديث عن عذاب القبر ونعيمه وأشراط الساعة والجنة والنار والصراط والميزان والحوض والعرش والكرسي توحيد، والحديث عن صفات الكمال والجمال لذي الجلال والإكرام توحيد، وتذكير الناس بوجوب الحكم بما أنزل الله، ونبذ القوانين الجاهلية الوضيعة توحيد، والحديث عن النبوات وشمائل المصطفى صلى الله عليه وسـلم ومعجزاته توحيد وهكذا.

وأما القنوت في صلاة الصبح فقد اختلف الأئمة رحمهم الله في مشروعيته؛ فذهب أحمد وأبو حنيفة رحمهما الله إلى أنه لا يسن القنوت في صلاة الصبح ولا في غيرها من الصلوات سوى الوتر؛ لما روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسـلم قنت شهراً يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه. وعن أبي مالك ر ضي الله عنه قال: قلت لأبي: إنك صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسـلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ههنا بالكوفة نحواً من خمس سنين أكانوا يقنتون في الصبح؟ قال: أي بني محدث. رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم.

وذهب مالك والشافعي إلى أن القنوت في صلاة الصبح سنة في جميع الزمان، لأن أنساً ر ضي الله عنه  قال: “ما زال رسول الله صلى الله عليه وسـلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا” رواه أحمد وعبد الرزاق والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححاه، وكان عمر رضي الله عنه يقنت في الصبح بمحضر من الصحابة وغيرهم. روى عبد الرزاق في مصنفه والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر رضي الله عنه أنه قنت في صلاة الصبح فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنا نستعينك، ونستهديك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكافرين ملحق. اللهم عذِّب الكفَّار أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك}

والمستحب عند المالكية أن يكون قبل الركوع؛ لما فيه من تطويل القيام ليتسنى للمسبوق إدراك الركعة،وهو المروي عن عمر وعلي وابن مسعود وخلق من الصحابة رضي الله عنهم، وهو مذهب إسحاق ومالك. ويستحب عند هم – أي المالكية -الإسرار بالدعاء في القنوت

وأما عند الشافعية فهو عندهم بعد الركوع جهراً؛ وكلا الأمرين سائغ مشروع؛ لما روى حميد قال: سئل أنس عن القنوت في صلاة الصبح فقال “كنا نقنت قبل الركوع وبعده” أخرجه ابن ماجه. قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في (المجموع): مذهبنا أنه يستحب القنوت فيها – يعني صلاة الصبح – سواء نزلت نازلة أو لم تنزل، وبهذا قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم، وممن قال به أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وابن عباس والبراء بن عازب رضي الله عنهم. رواه البيهقي بأسانيد صحيحة. وقال به من التابعين فمن بعدهم خلائق، وهو مذهب ابن أبي ليلي والحسن بن صالح ومالك وداود، وقال عبد الله ابن مسعود وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري وأحمد: لا قنوت في الصبح.ا.هـــــــــــــ

وهذه المسألة – كما هو ظاهر – قد تعددت فيها مذاهب العلماء، والخلاف فيها معتبر؛ والناس على مذهب إمامهم الذي يصلي بهم فإن قنت قنتوا معه وإلا فلا؛ حتى لا تصبح مادة للخلاف بين المسلمين في المسجد الواحد، واعلم بارك الله فيك أن العلماء متفقون على صحة صلاة من قنت ومن ترك.

وما أجمل مقولة ابن القيم رحمه الله في (زاد المعاد) حيث حقَّق المسألة ثم قال: والإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وسـلم جهر وأسرَّ وقنت وترك.. ثم قال: وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: والله لأنا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسـلم .. فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح….، ثم قال: ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسـلم، فعل ذلك ثم تركه، فأراد أبو هريرة أن يعلمهم أن مثل هذا القنوت سنة، وهذا رد على أهل الكوفة الذين يكرهون القنوت في الفجر مطلقاً…. ويقولون: هو منسوخ وفعله بدعة… وأهل الحديث متوسطون بين هؤلاء وبين من استحبه عند النوازل وغيرها، ويقولون: فعله سنة وتركه سنة، فلا ينكرون على من داوم عليه، ولا يكرهون فعله، ولا يرونه بدعة، ولا فاعله مخالفاً للسنة.ا.هـــــــ والله أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى