تلاوة بعض سور القرآن جماعة
نحن سبعة مساجد درجنا على ختم القرآن سويًا فى كل مرة بمسجد من المساجد فى المنطقة، وندعوا بعضنا البعض لهذا الأمر، ونختم ثم نجلس سويًا نستأنس ونشرب الشاى، ثم ننطلق إلى أحوالنا، وقد حصل لنا فائدة التآلف والتراحم والمودة والتواصل بين هذه المساجد، وهم من مختلف المشارب، ولكن هناك أمر اختلفنا فيه وهو تلاوة الإخلاص والمعوذتين ثلاث مرات ومن ثم الفاتحة وأول البقرة حيث درجنا على تلاوتها جماعيًا عند بلوغها فى القراءة.. فهل هنالك بيان واضح حول بدعية هذا الأمر، ودليل ذلك من السنة؟
وهذا الأمر أصبح مثار اختلاف، الرجاء الرد عاجلًا اليوم، فغدًا لدينا ختمة، ونود أن نعرف ما هو الصحيح حتى نتبع السنة، ونخالف البدعة، ونجمع الناس ولا نفرقهم، وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فحلقة القرآن في بيت الله عز وجل أو في بيوت الناس من أفضل الطاعات وأعظم القربات، سواء كانت يومية أو أسبوعية أو في اليوم مرتين، وهي داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم الرحمة وغشيتهم السكينة وحفتهم الملائكة” وكذلك عموم النصوص الآمرة بالاجتماع على ذكر الله عز وجل، ومن قال بأن هذه الحلقة بدعة فهو لا يعرف معنى البدعة، وأما استدلاله بأنها لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسـلم وصحابته فغير مسلَّم؛ إذ عدم وجود الشيء على عهده صلى الله عليه وسـلم لا يقتضي الحكم ببدعيته بإطلاق ما دامت الأصول قد دلت على أصل مشروعيته؛ ومثال ذلك لو اتفق الناس على درس في الفقه أو الحديث أو العقيدة أو غيرها من العلوم الشرعية في يوم معين من الأسبوع في المسجد أو في بيت أحدهم هل يقال بأن ذلك بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسـلم وأصحابه لم يكن لهم يوم معين يجتمعون فيه على موعظة أو ذكر؟ لا يقول هذا عاقل لأن أصل المشروعية ثابت بالنصوص الدالة على السعي في طلب العلم وتحصيله، أما كون الناس يتفقون على يوم معين أو وقت مخصوص فذلك راجع إلى أصل الإباحة من حيث التكيُّف مع ظروفهم وما يسهِّل عليهم عبادة ربهم جل جلالـه، والأمر في ذلك على الإباحة الأصلية؛ لأن تلاوة القرآن ودروس العلم غير مقيَّدة بوقت معلوم كالصلوات الخمس أو صيام رمضان مثلاً؛ فليتق الله امرؤ أن يؤثِّم إخوانه المسلمين أو يزهدهم في الخير أو يصرفهم عن هدى كانوا عليه في زمان قلَّ فيه من يذكِّر بالله عز وجل؛ خاصة وأن المقصود الأغلب من هذه الحلقات أن يتعلم الناس قراءة كتاب الله تعالى بصورة صحيحة وفق ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، بإسلاح اللاحن وتصحيح المخطئ وتعليم الجاهل؛ لعل المعلم والمتعلم يدخلان في قول النبي صلى الله عليه وسلم {الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران}
أما القراءة الجماعية – للإخلاص والمعوذتين – أو لغير ذلك من سور القرآن فإنها لا تشرع على سبيل التعبد؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل الوارد عنه أنه كان يقرأ أو يطلب من واحد من أصحابه أن يقرأ وهو صلى الله عليه وسلم يسمع كما قال لابن مسعود رضي الله عنه “إني أحب أن أسمعه من غيري” لكنها تُشرع على سبيل التعلُّم؛ بمعنى أنه يجوز للمعلم أن يلقن تلاميذه مجموعين ويطلب منهم أن يرددوا خلفه، وكذلك يطلب منهم أن يقرؤوا جماعة من أجل أن يرسخ حفظهم، والله تعالى أعلم.