أحكام الأطعمة

حكم أكل الحشرات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سعادة الشيخ الدكتور، أرجو أن تكون بخير.

إذا سمحتم لي بسؤالكم ما التكييف الفقهي لأكل الحشرات؟ الاتحاد الأوروبي اتجه منذ اليوم لإدخال بدرة مسحوق الحشرات في الأطعمة (الخبز والمشروبات وكل المأكولات) بدلاً عن اللحوم والأسماك كسياسة لإيجاد بدائل غذائية غير مكلِّفة على أن يتم إيقاف تعاطي اللحوم نهائياً خلال ٦ أعوام.

ثبت علمياً عدم إضرار هذه الحشرات بصحة الانسان كالخنفساء مثلا وهي تحتوي على الكثير من الفايتمينات والمعادن المفيدة؟ جزاكم الله خيراً،

د. الطيب محمد سليمان – لندن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته يا دكتور، أما بعد

فهذه المسألة يحكمها قول ربنا جل جلاله {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} فقد قال أهل التفسير: كل ما استخبثته العرب الحاضرة فهو من المحرمات؛ لأن القرآن قد نزل بلسانهم؛ وقولهم (الحاضرة) تحرزاً من البادية لأنهم قد يأكلون أي شيء، ومن هنا ذهب جمهور العلماء – ومنهم أبو حنيفة والشافعي وأحمد ومن قبلهم ابن شهاب وعروة بن الزبير وغيرهم – إلى تحريم حشرات الْأَرْضِ: كَالْفَأْرَةِ، وَالْحَيَّاتِ، وَالْأَفَاعِي، وَالْعَقَارِبِ، وَالْخُنْفُسَاءِ، وَالْعَظَايَةِ، وَالضَّفَادِعِ، وَالْجِرْذَانِ، وَالْوَزَغِ، وَالصَّرَاصِيرِ، وَالْعَنَاكِبِ، وِسَامِّ أَبْرَصَ، وَالْجِعْلَانِ، وَبَنَاتِ وَرْدَانِ، وَالدِّيدَانِ، وَحِمَارِ قَبَّانَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَخْبَثَةٌ طَبْعًا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

وَذهب مالك رحمه الله إلى الترخيص في أكل ذلك كله؛ وَاشْتَرَطَ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْحَيَّاتِ أَنْ يُؤْمَنَ سُمُّهَا، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّرْخِيصُ فِي أَكْلِ الْحَشَرَاتِ: الْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وقد استدلوا على ذلك بأدلة:

منها ما رواه أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مِلْقَامِ بْنِ تَلِبٍّ، عَنْ أَبِيهِ تَلِبِّ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ التَّمِيمِيِّ الْعَنْبَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الْأَرْضِ تَحْرِيمًا)

وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ أَشْيَاءَ، وَأَبَاحَ أَشْيَاءَ، فَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَبَاحَ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ.

وَقَالَتْ عَائِشَةُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – فِي الْفَأْرَةِ: مَا هِيَ بِحَرَامٍ، وَقَرَأَتْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به} الْآيَةَ.

وقد أجاب الجمهور عن هذه الأدلة بِأَنَّ مِلْقَامَ بْنَ تَلِبٍّ مَسْتُورٌ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ، وَبِأَنَّ قَوْلَ أَبِيهِ تَلِبِّ بْنِ ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ أَسْمَعْ لِحَشَرَةِ الْأَرْضِ تَحْرِيمًا لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَحْرِيمِهَا، كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ؛ لِأَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ صَحَابِيٍّ لِشَيْءٍ لَا يَقْتَضِي انْتِفَاءَهُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وعدم العلم ليس علماً بالعدم.

وأما استدلالهم بأن الله سكت عن هذه الأشياء؛ فالله تعالى لَمْ يَسْكُتْ عَنْ هَذَا؛ لِأَنَّهُ حَرَّمَ الْخَبَائِثَ، وَهَذِهِ خَبَائِثُ، لَا يَكَادُ طَبْعٌ سَلِيمٌ يَسْتَسِيغُهَا، فَضْلًا عَنْ أَنَّ يَسْتَطِيبَهَا، وَالَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْحَشَرَاتِ مِنَ الْعَرَبِ، إِنَّمَا يَدْعُوهُمْ لِذَلِكَ شِدَّةُ الْجُوعِ، كَمَا قَالَ أَحَدُ شُعَرَائِهِمْ: أَكَلْنَا الرُّبَى يَا أُمَّ عَمْرٍو وَمَنْ يَكُنْ … غَرِيبًا لَدَيْكُمْ يَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ

وَالرُّبَى جُمَعُ رُبْيَةَ، وَهِيَ الْفَأْرَةُ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَفِي «اللِّسَانِ» أَنَّهَا دُوَيْبَّةٌ بَيْنَ الْفَأْرَةِ وَأُمِّ حُبَيْنٍ، وَلِتِلْكَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ لَمَّا سُئِلَ بَعْضُ الْعَرَبِ عَمَّا يَأْكُلُونَ، قَالَ: كُلُّ مَا دَبَّ وَدَرَجَ، إِلَّا أُمَّ حُبَيْنٍ، فَقَالَ: لِتَهْنِ أَمَّ حُبَيْنٍ الْعَافِيَةُ!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى