الفتاوى

كيف يكون الحب في الله؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا فتاة لديَّ صديقة أحببتها كثيراً – ربما لشخصيتها المميزة –  وهي ليست متدينة كثيراً، كما أنها لا تعرف كثيراً عن الدين أو كما أعتقد وتسمع أغاني تحوي موسيقى، ورغم ذلك أحببتها، بالرغم من أني كنت أود أن أصاحب فتاة متدينة ونتحابب في الله ونكون ممن يظلهم الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه، ولكن هذه طغت على قلبي وشعرت بأني أحببتها لا إرادياً، وبعد أن حاولت أن أقنع نفسي بتركها (لأنها غير متدينة وأن هذا الحب ليس في الله وكل حب ليس كذلك مصيره إلى الزوال)؛ فشلت تماماً فقررت أن أشاركها بعض المقتطفات الدينية وأدعو لها بالهداية وأن يحبب الله الإيمان إليها ويزينه في قلبها، وأحاول إقناعها بترك ما هي عليه من سماع للموسيقى، هل هكذا يصبح حبي لها في الله؟ إن كان كذلك كيف أفك تعلقها بالأغاني (لأنها متعلقة بإحدى أنواع الأغاني بشدة)؟ وهل إذا فشلت أتركها وأقطع علاقتي معها؟؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.

فأسأل الله لي ولك ثباتاً في الأمر وعزيمة على الرشد وغنيمة من كل بر وسلامة من كل إثم، وأن يجعلنا جميعاً هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وجواباً على سؤالك أقول:

أولاً: الذي ينبغي أن يحبه المسلم أكثر من ولده ووالده والناس أجمعين هو النبي المصطفى والرسول المجتبى محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وأما من دونه – مهما بلغ من علم أو عمل – فما ينبغي أن يبلغ به مسلم تلك المنزلة وإلا وقع في الضلال والخبال

ثانياً: عليك أن تحبي من أمرك الله بحبه من النبيين والمرسلين وأولياء الله المقربين وعباده الصالحين من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى ممن أطبقت الأمة على فضلهم وجلالتهم، وختم الله لهم بالحسنى وأجرى ألسنة الخلق بالثناء عليهم والاعتراف بجميل فعالهم وطيب خصالهم

ثالثاً: الحب في الله من أوثق عرى الإيمان، ففي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسـلم قال “سبعة يظلهم  الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه” ومعنى قوله في الحديث “تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه” أي أحب كل منهما الآخر من أجل خصاله وأفعاله التي يحبها الله ويرضاها، فكان سبب اجتماعهما حب الله تعالى، واستمرا على ذلك حتى فرق بينهما الموت، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، قال أهل العلم: ذكر الرجال في الحديث لا مفهوم له، بل يشترك النساء معهم في هذه الخصال؛ فالمسلم يحب في الله من كان مطيعاً لله معظماً لشعائره وحرماته رجلاً كان أو امرأة، وكذلك المسلمة تحب من كان بهذه الصفة، من أي جنس كانوا

رابعاً: عليك ألا تعتقدي فيمن تحبين عصمة أو أنه لا يخطئ، أو أن كلامه هو الحق المحض والصواب الخالص، بل عليك أن تعلمي أن كلاً يؤخذ من قوله ويُترك إلا محمداً عليه الصلاة والسلام، وإذا أحببت واحداً من أهل العلم أو العبادة أو البذل أو الجهاد فعليك أن تحبيه باعتدال؛ فإن الحي لا تؤمَن عليه الفتن، واجعلي قلبك معلَّقاً بالله لا بأحد سواه. واعرفي الحق تعرفي أهله.

خامساً: محبتك لصاحبتك ليست محبة في الله؛ وإنما هي محبة طبعية تحصل بين من اتفقوا في بعض الصفات أو الأعمال؛ وأنت مأجورة على نصحك إياها وطلبك الخير لها، ولا تفتتحي نصحك لها بموضوع الأغاني بل احرصي على أن تجعليها ممن يحافظن على صلاتهن ويكثرن من ذكر الله تعالى، وحببي إليها قراءة القرآن؛ فهذا إن شاء الله يطرد من قلبها حب الأغاني، والله تعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى