قتل الجراد بالنار
في بعض المزارع يكون الجراد كثيرا ويتضرر منه الناس حيث يأكل الزروع؛ فتأتي فرق المكافحة وتحفر حفراً صغاراً، ويكون معهم شيء من البنزين فإذا سقط صغار الجراد أحرقوه بالنار؛ فهل هذا يدخل ضمن النهي عن التعذيب بالنار؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فللجواب عن هذا السؤال أذكر عدة مسائل؛ وأسأل الله تعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح:
أولاً: الجراد من جند الله عز وجل يرسله على من شاء من عباده، وقد أرسله الله عذاباً على قوم فرعون حين استكبروا عن قبول دعوة موسى عليه السلام؛ قال سبحانه {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين}
ثانياً: قد ورد النهي عن قتله في حديث أخرجه البيهقي في شعب الإيمان والطبراني في الكبير والأوسط قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تقتلوا الجراد؛ فإنه جند الله الأعظم) وقد أورد السيوطي في الجامع الصغير، وحسنه الشيخ الألباني. قال البيهقي في شعب الإيمان: وهذا إن صح، فإنما أراد به ـ والله أعلم ـ إذا لم يتعرض لإفساد المزارع، فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل، أو أراد به تعذر مقاومته بالقتال والقتل.ا.هـــــــــــــــــــــــــــ
ثالثاً: لا خلاف بين العلماء في جواز قتل الجراد إذا حصل منه الإفساد؛ قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره للآية 133 من سورة الأعراف: واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد؛ فقيل: لا يُقتل. وقال أهل الفقه كلهم: يُقتل. احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم. وبما روي: (لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم) واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله؛ فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابعاً: إذا أمكن قتله بأي وسيلة سوى الإحراق فذاك هو المطلوب؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل، فأحرقت فأوحى الله إليه أن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح) رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقال عليه الصلاة والسلام (لا يعذب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داود.
خامساً: لا حرج إن شاء الله تعالى في صنيع أولئك الناس من قتل تلك الحشرات بالنار؛ لأنه ليس ثمة طريق لكف أذاها إلا ذاك السبيل؛ وقد ذكر ذلك الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى فقال: ليس استعمال النار محرمًا في كل حال، بل إنما يكون إذا قصد به التعذيب، يعني: أن يعذب الإنسان الحيوان بالنار، هذا هو المحرم، وأما إذا قصد إتلاف المؤذي، ولا طريق إلى إتلافه إلا بالإحراق؛ فإن هذا لا يعد تعذيبًا بالنار، بل إنما هو قتل بالنار، ففرق بين التعذيب الذي يقصد به إيلام الحيوان والعنت عليه والمشقة وبين إتلاف الحيوان بطريق لا نتوصل إليه إلا بالنار، ولهذا في قصة نبي من الأنبياء أنه لسعته نملة، فأمر أن تحرق قرية النمل كلها، فأوحى الله إليه: هلّا نملة واحدة. يعني: هلّا أحرقت نملة واحدة. وهذا دليل على أنه إذا لم نتوصل إلى الخلاص من أذية بعض الحيوان إلا بالنار، فإن ذلك لا بأس به. وها هو الجراد يؤخذ ويشوى بالنار ويؤكل، كما جاء ذلك عن السلف، ولا ريب أن شيه بالنار هو إتلاف له عن طريق النار، والذي لا يحرق بالنار أي: لا يشوى بها، هو يغمس في الماء الذي يغلي حتى ينضج ويؤكل. فالمهم أنه يجب علينا أن نعرف الفرق بين كوننا لا نتوصل إلى دفع أذية الحشرة أو الحيوان إلا بالنار أو لا نتوصل إلى الانتفاع به إلا عن طريق النار، كما في شيّ الجراد وغمسه بالماء الحار، وبين أن نتخذ النار وسيلة تعذيب لهذا الحيوان، والمحرم إنما هو تعذيب الحيوان بالنار لا الوصول إلا الغاية منه أو التخلص منه عن طريق النار إذا كان لا يمكن التوصل إلا بها.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ والعلم عند الله تعالى