الكلام في العلماء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
1/ ما حكم الشرع فيمن يدعي أنه ينتمي إلى السلفية ويتكلم في كبار علماء الأمة بغير علم بحجة أنهم يتكلمون في التلفاز وأن كل عالم يتكلم في التلفاز لا يعتبر عالماً ربانياً وما معني عالم رباني..!!
2/ وما حكم الدين في من يقول إن الصوفية مشركون وعباد قبور,,.؟؟
3/ وعندي سؤال أيضا…في الجملة.. “بفهم سلف الأمة” هل معناها أنه لا يجب أن نفكر.؟؟ يجب فقط أن نأخذ تفكير الآخرين..؟؟ وهل الممارسات الغير صحيحة للصوفية يمكن أن تسمى بأنها شرك أكبر..؟؟؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
ففي سنن أبي داود من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط” فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.
أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا همَّ له إلا الطعن في العلماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، وتربية الناشئة على تلك الطريقة الكاذبة الخاطئة، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.
وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحدَ معصومٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله (كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم) ويقول ابن القيم رحمه الله (فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها) ويقول كذلك رحمه الله (ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين) ويقول رحمه الله: (من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنها ما لا يعفى عن غيره) وقال الإمام الذهبي ملتمسًا العذر لقتادة في مسألة خالف فيها الصواب: (لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابه، وعُلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه وورعُه واتباعُه، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك)
وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا} والتلفاز شأنه شأن سائر الأجهزة يمكن أن تستعمل في طاعات الله أو في معصيته، في الخير أو الشر، في نشر السنة والدعوة إليها أو تزيين البدعة والدلالة على طرقها، فالداعية الذي يظهر على شاشة التلفاز وقد استحضر نية حسنة من نشر العلم والدلالة على الهدى وتحبيب الخير إلى الناس لا شك أنه مشكور مأجور، وقد هدى الله فئاماً من المسلمين بواسطة تلك البرامج في شتى بلاد الله، يعلم ذلك المنصفون ومن لهم بالدعوة اهتمام؛ وعليه فأن القول بأن ظهور العالم في التلفاز يدل على أنه ليس ربانياً إنما هو من التألي على الله والدخول في خفايا القلوب؛ نسأل الله السلامة والعافية.
أما الصوفية فليسوا سواء، بل فيهم الخير السابق بالخيرات القائم على حدود الله المعظم لشعائره الحريص على هدي الكتاب والسنة، وفيهم من اتخذ التصوف شعاراً للوقوع فيما حرم الله من الشرك أو البدعة أو الفسوق والعصيان، ووما ينبغي التعميم حال الحكم عليهم فإن هذا ظلم بيِّن، وقد علمنا ربنا جل جلاله أن ننصف حتى في الحديث عن أهل الكتاب قال {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائماً} وقال عنهم {ليسوا سواء} فالأحكام لا تتعلق بالأسماء والعناوين بل بالحقائق والمضامين، ولن ينفع المرء تسميته نفسه صوفياً أو سلفياً إذا كان على غير الجادة؛ إذ المطلوب الاستقامة على أمر الله تعالى، ثم بعد ذلك لا يضرك ما سميت به نفسك أو سماك به الناس.
فلا يجوز الحكم على المتصوفة – جملة – بأنهم مشركون عباد قبور، وليست هذه الطريقة النبوية في الدعوة إلى الله تعالى، بل علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن مع حب هدايتهم ودلالتهم على الحق؛ لا أن نتكلم عنهم بنوع من التشفي والانتقام والدلالة على السوآت والعورات فما هذا بمسلك الدعاة الهداة الذي يبحون للناس الخير ويحرصون على أن يأخذوا بنواصيهم إلى الحق، وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ولا نُزع من شيء إلا شانه.
وأما قول القائل: على فهم السلف الأمة. فليس مراده أن نجمد على ما قاله الأولون – رضوان الله عليهم – بل المقصود وضع ضابط يمنع الزيغ والانحراف في فهم النصوص الشرعية، وإلا فقد أدرك علماء المسلمين أن لكل زمان نوازله ولكل بلد أعرافه، وعلموا أن القرآن لا تفنى عجائبه، حتى قال قائلهم: لا تقل: ماذا ترك الأول للآخر؟ بل قل: كم ترك الأول للآخر. فالدين بحر لا شاطئ له، وهو مستوعب بنصوصه لقضايا الدين والدنيا والروح والجسد؛ كما قال جل جلاله {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء} فلا حرج على مسلم أن يجتهد في دين الله عز وجل وفي تقريبه للناس، وذلك حال توفر ملكة الاجتهاد عنده من العلم بالكتاب والسنة ومواطن الإجماع وأسباب الاختلاف وغير ذلك من آلة الاجتهاد التي لا بد منها لمن يتصدى لهذا الأمر.
والأفعال التي يتورط فيها بعض المتصوفة لا شك أن بعضها يرقى إلى الشرك بالله عز وجل؛ كحال بعضهم حين يضفون على شيوخهم من صفات الربوبية ما لا ينبغي إلا لله عز وجل؛ كمن يزعمون أن للأولياء تصرفاً في الكون وأن ملك الموت لا يقبض روح أحدهم حتى يستأذن شيخه، أو شيخه هو الذي يرزق ويعطي ويرفع ويخفض، وكذلك من يصرفون أنواعاً من العبادة – كالنذر والدعاء والاستغاثة – إلى غير الله تعالى؛ فهؤلاء يقال لهم: إن هذه الأفعال شركية وإن الشريعة قد سمتها شركاً وحذرت منها، دون أن يقال لهم: إنكم مشركون؛ لأن ثمة فرقاً بين الحكم على الفعل والحكم على الفاعل كما هو مقرر في كتب أهل العلم، والله الموفق والمستعان.