زيادة لفظ “سيدنا” في التشهد
شيخنا الفاضل سمعنا أن لفظ السيادة لسيدنا محمد بالتشهد جائز وليس ببدعة وكلا الحالتين تجوز. نريد من حضرتكم توضيح هذا الامر ومن قال باستحباب لفظ السيادة من السلف والأدلة على ذلك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم بغير خلاف بين المسلمين، ولا حرج البتة في إطلاق لقب السيادة عليه؛ بل في إطلاقه على من هو دونه؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام للأنصار (قوموا إلى سيدكم فأنزلوه) وقال عن الحسن رضي الله عنه (إن ابني هذا سيد) وقال عمر رضي الله عنه عن بلال رضي الله عنه (أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا) لكن صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ثابتة في كتب السنة من رواية عدد من الصحابة رضوان الله عليهم – كأبي حميد الساعدي وكعب بن عجرة وأبي هريرة وأبي مسعود الأنصاري وبريدة الخزاعي وغيرهم – وليس في شيء منها ذكر (سيدنا) فالأولى اتباع ذلك وعدم زيادة لفظة (سيدنا) فلو كان خيراً لسبقونا إليه.
وقد رجح ذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى حيث قال: اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم، كما لم يكن يقول عند ذكره صلى الله عليه وسلم: “صلى الله عليه وسلم” وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك، وقد عقد القاضي عياض باباً في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، في كتاب الشفا ونقل آثاراً مرفوعة عن جماعة من الصحابة والتابعين ليس في شيء منها عن أحد من الصحابة وغيرهم لفظ “سيدنا” نعم ورد في حديث ابن مسعود أنه كان يقول في صلاته على النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل فضائل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين. الحديث. أخرجه ابن ماجه ولكن إسناده ضعيف. انتهى مختصراً.
وبعض العلماء ذهب إلى استحباب ذلك بناء على قاعدة أن الأدب أولى من الاتباع؛ استدلالاً بأن أبا بكر رضي الله عنه أبى أن يبقى إماماً للنبي صلى الله عليه وسلم بعدما أشار إليه بذلك؛ وأن علياً رضي الله عنه أبى أن يمحو صفة الرسالة عنه بعدما أمره بذلك حين كتابة الصلح مع سهيل بن عمرو، حيث قال الرملي في نهاية المحتاج: والأفضل الإتيان بلفظ السيادة -أي في التشهد في الصلاة- كما قاله ابن ظهيرة وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح -المحلي- لأن فيه الإتيان بما أمرنا به وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب فهو أفضل من تركه وإن تردد في أفضليته الإسنوي، وأما حديث: لا تسيدوني في الصلاة. فباطل ولا أصل له كما قاله بعض متأخري الحفاظ، وقول الطوسي: إنها مبطلة غلط. انتهى
ومثله قال به الحنفية رحمهم الله تعالى؛ حيث قال صاحب الدر المختار: وندب السيادة لأن زيادة الإخبار بالواقع عين سلوك الأدب فهو أفضل من تركه. انتهى
ومهما يكن من أمر فليست هذه المسألة بداعية لحصول الخلاف والشقاق بين الناس؛ بل الأمر فيها واسع، والعلم عند الله تعالى