نكاح المتعة
عندي سؤال: أرجو شرح حديث وارد في صحيح مسلم ص 1023 – 1405:
وحدثنا الحسن الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. انتهي.
فكيف كان النهي عن زواج المتعة في عهد رسول الله؛ والظاهر في الحديث أنه استمر حتى عهد سيدنا عمر رضي الله عنه؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإن نكاح المتعة قد دلت على تحريمه نصوص السنة واتفق على ذلك أهل العلم ولم يبق مخالف في حرمته سوى الروافض، أما النصوص الدالة على حرمته فهي كثيرة، منها:
1ـ حديث عليٍّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية. متفق عليه
2ـ عن سبرة الجهني رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء.. إلى أن قال: فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. رواه مسلم
3ـ إجماع العلماء على تحريمه وقد نقل ذلك غير واحد منهم. قال ابن المنذر رحمه الله: جاء عن الأوائل الترخيص فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي، فقد صح عن عليٍّ رضي الله عنه أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه.
وقد كانت المتعة مرخّصا فيها أول الإسلام ثم نُهي عنها. روى الترمذي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية }إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم{ قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام. وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بالحجارة.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرخِّص في المتعة؛ لكنه رجع عن ذلك ونفاه وبيّن مراده بقوله: والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر. روى ذلك عنه البيهقي وأبو عوانة ووكيع. قال الحافظ رحمه الله في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع: فهذه أخبار يقوي بعضها بعضا.
قال الإمام الشوكاني رحمه الله بعد أن ساق الروايات التي تفيد إباحته عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: وعلى كل حال فنحن متعبَّدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته} وبهذا يُعلم أن نكاح المتعة حرام لدلالة النص والإجماع، وابن عباس رضي الله عنهما لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه.
وأما الحديث الوارد ذكره في السؤال فقد أجاب عنه الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقال: وقد أجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يبلغه – يعني جابرا رضي الله عنه – النسخ حتى نهى عنها عمر، واعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل، وكذلك يحمل فهم غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر أن ينهى ولهم الموافقة، وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد.ا.هــــ يعني بحديث سبرة قول النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} رواه مسلم، ولا يستغرب أن يخفى على بعض الصحابة نسخ إباحة نكاح المتعة؛ ونظير ذلك قول عائشة رضي الله عنها {كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن} رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قال النووي رحمه الله تعالى: ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه و سلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.ا.هــــ
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر رضي الله عنه حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه في شأن عمرو بن حريث، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج. قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلاً من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يَخْفَ على ابن مسعود رضي الله عنه حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية، وأيضاً ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقاً. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.ا.هــــ والعلم عند الله تعالى