الأحكام الشرعية للحرب في السودان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد.
فقد ابتلى الله عباده في السودان بتلك الحرب المدمرة التي انطلقت يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان 1445، والتي كان سببها تمرد قائد قوات الدعم السريع بمن معه على سلطان الدولة، وخروجه عليها، والتي نتج عنها إزهاق عدد كبير من الأرواح مع تدمير للممتلكات العامة والخاصة ونزوح أعداد كبيرة من الناس، إلى غير ذلك من المفاسد.
وقد كانت الكلمة الأولى التي وجهتها عصر اليوم الأول لاندلاع المعارك منطلقة من تكييف فقهي لذلك التمرد بأنه بغي، وأن أولئك المتمردين بغاة، يصدق عليهم قول ربنا جل جلاله {فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} وقد وجهت إليهم خطاباً منادياً إياهم بإخواننا في (الدعم السريع) ودعوتهم إلى اعتزال ذلك المعترك وكفِّ اليد عن الدم الحرام؛ وقلت لهم: صاحبكم يسعى للملك ليس إلا! وقد وضع يده في يد من لا يرجو لله وقارا من أحزاب الشمال الكارهين لما أنزل الله، ودعوت الناس إلى فتح أبواب المساجد لهم واستقبالهم فيها من أجل أن يأووا إليها ويتخلصوا من ثياب القتال فيها.
لكن بعدما مضى على هذه الحرب شهور قاربت العام، وبعد الجرائم المروعة التي ارتكبها أفراد تلك القوات الباغية المعتدية فإن الحكم قد تغير، وذلك أن هذه القوات لا تخلو من ثلاثة أحكام:
الحكم الأول: يصدق على قائد الدعم السريع ونائبه ومستشاريه وكبار ضباطه – وكذلك من تابعهم على رأيهم – ممن صرحوا بأنهم يقاتلون من أجل توقيع الاتفاق الإطاري القائم على تنحية شرع الله وتقرير العلمانية نظاماً للحكم في السودان؛ فهؤلاء ليسوا مجرد بغاة بل هم إلى الكفر أقرب، ويصدق عليهم قول ربنا جل جلاله {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا} خاصة وأن قائد الدعم السريع تدعمه دولة تحارب الله ورسوله في كل مكان، والأحزاب التي تتحالف معه وتمثل حاضنة سياسية له لا يخفى على لبيب موقفها من شرع الله عز وجل، وأن قادة تلك الأحزاب منادون بالعلمانية مدافعون عنها وهم عملاء لأجهزة مخابرات عالمية، منها يتمولون وبأمرها يعملون، وهؤلاء قتالهم واجب وقتلهم متعيِّن؛ مثلما فعل الصديق أبو بكر رضي الله عنه مع المتنبئين الكذابين ومع المرتدين عن دين الإسلام بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام.
الحكم الثاني: من كان من أفراد الدعم السريع يقاتل عصبية تحت راية جاهلية، مما نضحت به مقالاتهم المكتوبة والمسموعة، حيث صرحوا بأنهم الجنس الأفضل والعنصر الأرقى، وأنه لا بد من التخلص من قبائل معينة – سمَّوها بأسمائها – وظهر من فلتات ألسنتهم بل من صريح أقوالهم حقد دفين يشي بالقضاء على الأخضر واليابس، وقد علم العقلاء جميعا أنه ليس ثمة جنس راقٍ ابتداءً (أي خلْقاً وإنشاءً)، وآخر وضيع (طبعاً وسجيةً)، فالجميع عند الله سواء، ولا تفاضل بين الأجناس والقوميات إلا بما يقدِّمه كل فصيل من عمل صالح وجهد نافع لذاته ولغيره {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
وهؤلاء – أعني دعاة التفوق العنصري والتميز القبلي – الذين يقاتلون بهذا الفهم المعوج، ممن تصدُق فيهم النصوص النبوية التي توعدتهم؛ كقوله صلى الله عليه وسلم (من قاتل تحت راية عُمِّيَّة يغضب لعصَبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل فقِتْلةٌ جاهليةٌ) رواه مسلم، والعمية هي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. وقال صلى الله عليه وسلم (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية) رواه مسلم. فهؤلاء قتالهم – أيضاً – واجب، ومن لم يتب إلى الله تعالى من مقالته تلك وممارساته فقتله واجب تخليصاً لأهل الإسلام من شره.
الحكم الثالث: هؤلاء الذين يقاتلون من أجل الإفساد في الأرض – سرقة للأموال وانتهاكاً للفروج وترويعاً للآمنين واستهانة بدماء المسلمين – فهؤلاء محاربون لله ورسوله، يصدق فيهم قول ربنا جل جلاله {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} وأحسب أن كثيراً من هؤلاء إنما هم من هذا الصنف النكد {قاتلهم الله أنى يؤفكون}
وقد ظهر من حالهم أنه لا تؤثر فيهم موعظة، ولا يجدي معهم تسامح ولا إغضاء، بل إن قيادة الجيش قد أحسنت معاملتهم وأطلقت سراحهم حين أسروا في الأيام الأولى عدداً منهم، لكنهم ما لبثوا أن عادوا ثانية لإفسادهم وشرورهم وآثامهم، فلا سبيل إلى وقاية عموم المسلمين من شرهم إلا اجتثاثهم وتخليص الناس من ممارساتهم الوقحة.
والظاهر من حال هؤلاء أنهم ممتنعون عن واجبات الإسلام الظاهرة المتواترة، تاركون لشعائر الإسلام؛ حتى بلغ من استهانتهم بحرمات الله أنه ما سلمت من شرِّهم بيوت الله عز وجل، بل جعلوها سوحاً للممارسات المحرّمة والأفعال المجرّمة، وقد قال سبحانه {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} وهؤلاء قاتلهم الله فتنوا الناس في دينهم؛ حين استباحوا ما حرم الله من النفوس والأموال والفروج
أسأل الله تعالى أن ينصر من نصر دينه، وأن يخذل من خذل دينه، والحمد لله في البدء والختام، وصلواته وسلامه على خير الأنام، وعلى آله وصحبه الأعلام