ماذا تعلم الشباب المسلم من طوفان الأقصى؟
أفاق الشباب المسلم يوم السابع من أكتوبر 2023م على قارعة أصابت الكيان الصهيوني في مقتل؛ حيث دُمِّرت فرقة غزة التي اختير لها النابغون من جند بني صهيون، وزعموا أنها قوة قاهرة لا سبيل إلى التغلب عليها؛ واخترقت أنظمة التشويش التي أقاموها، وسيق إلى الأسر المئات، وقتل من جنودهم الجمُّ الغفير، وصار الجيش الصهيوني أضحوكة العالم، بعد أن غزا الدنيا بدعاية «الجيش الذي لا يقهر»، وترتب على ذلك جملة من المكاسب، منها:
1- إيقاف قطار التطبيع الذي هرولت إليه دول عربية، وكانت أخرى على إثرها لولا «طوفان الأقصى»، وتهاوت أكاذيب «الديانة الإبراهيمية»، و«الشرق الأوسط الجديد»!
2- تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر بعدما وثقت الكاميرات عواره وبان للدنيا هزاله.
3- رد الثقة إلى الأمة المسلمة بأنها قادرة على الفعل لو شاءت، وأنها ليست مفعولاً بها دائماً، بل المشكلة في غياب الإرادة في جنب القادة، والاستسلام للواقع المرير الذي صنعوه بأيديهم.
4- إظهار كذب السردية الصهيونية التي راجت في بلاد أوروبا وأمريكا عقوداً؛ التي صورت دولة الصهاينة كياناً وادعاً بين أمة من الهمج الرعاع، فخرجت المسيرات بعشرات الألوف تدين فظائع الصهاينة وتدمغهم بالإرهاب والعنف والتعطش للدماء.
5- إحراج الأنظمة العربية التي تملك جيوشاً جرارة، ومخازن قد ملئت سلاحاً؛ حيث استبان بأن هذه الأسلحة ليست ليوم كريهة وطعان ثغر، بل هي مدَّخرة لقمع الشعوب وإذلال الناس.
هذا، وبعد مرور عام على «طوفان الأقصى»، حُقَّ لنا أن نتساءل: كيف أثَّرت المعركة العظيمة على شباب أمتنا؟ وللإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التفاتة إلى حال الشباب المسلم الذي خيَّمت عليه سُحُبُ اليأس، وأحاطت به أسباب الهزيمة بعد فشل أو إفشال «ثورات الربيع العربي»، وما صحب ذلك من ردة سياسية أدَّت إلى مزيد من بطش وإرهاب؛ مما أفضى إلى نزوح بعضهم إلى العنف وجماعاته، والبعض الآخر هرب إلى الإلحاد، كالمستجير من الرمضاء بالنار، بعدما اهتزت قناعاتهم في الوعد بالنصر الذي تردد كثيراً على ألسنة قادة الجماعات الإسلامية بعد نجاح تلك الثورات أول الأمر، وثمة فريق ثالث صمت على مضض وهو يرى علماء الأمة وسراتها يقادون إلى السجون أو المنافي أو حبال المشنقة.
ويمكننا أن نذكر بعض آثار «طوفان الأقصى» على شباب الأمة في نقاط:
أولها: شعور الكثيرين بالعزة والفخار حين رأوا شباب غزة يُثخنون في العدو، ويوثقون ذلك بالصورة التي تنطق ولا تكذب، واستعادوا على أعواد المنابر معنى قوله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (المنافقون: 8).
ثانيها: صار للشباب المسلم قدوات غير التي عرفها الناس؛ فإن الإعلام الكاذب قد أفلح في ترميز بعض التافهين ممن لا خلاق لهم، حتى غَدَوْا حديث الناس في كل واد، لكن بعد «طوفان الأقصى» وما نزل بأهل غزة من بلاء، وما أظهره القادة، فضلاً عن العامة، من ضروب التضحية والفداء والصبر والثبات، صار قادة الجهاد من أمثال «الملثَّم» هم المقتدى بهم.
ثالثها: راجع الشباب فقه الجهاد حسب الواقع الجديد، وصاروا يسألون عن جهاد الدفع وجهاد الطلب وشروطهما، وحكم قتل الأسير، وأحكام التترس، وواجب الوقت وفريضة العصر، وغير ذلك من المصطلحات التي كانت نسياً منسياً، ولا يدرك قيمة ذلك إلا من فقه محاولات الأعداء شغل الشباب بمعارك في غير معترك مع الفِرَق الكلامية والمذاهب الفلسفية، وإثارة المباحث التاريخية التي لا طائل من ورائها
رابعها: كشف المعركة لشباب الأمة أولئك الأعداء الذين يعملون من داخل صفوف الأمة ويتكلمون بألسنتها، وهم من بني جلدتنا، لكن قلوبهم مع الأعداء ميالة، وقد باعوا دينهم بدنيا غيرهم.
خامسها: تجددت في أذهان الشباب معانٍ قرآنية طالما غفل الناس عنها، فصار لها صدى في الأسماع ووقع في القلوب، وذلك حين يسمعون الآيات التي تتحدث عن شخصيات وجماعات سمتها وشارتها: (الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) (الأحزاب: 60)، وحين يرون بكاء الصهاينة على قتلاهم، ومسيراتهم من أجل أسراهم يتذاكر الناس معنى قوله تعالى: (إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ) (النساء: 104)، (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140).
سادسها: رأى الشباب كيف استطاعت عصابة مؤمنة محاصَرة منذ سبع عشرة سنة، ومصنفة ضمن جماعات الإرهاب عند الظلمة الكبار مما يسمى بالمجتمع الدولي؛ كيف استطاعت هذه الثلة أن تزلزل الدنيا كلها، وتربك العالم أجمع ببطولات هي أشبه بالخيال، فكان في ذلك مثال حي لأولئك الشباب، بأن هذه الأمة قد تنام لكنها لا تموت، وأنه «لا تزال طائفة منها على الحق ظاهرين؛ لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من ناوأهم، إلا ما يصيبهم من لأواء».
سابعها: ظهرت مبادرات فردية وأنشطة مباركة، في قمتها ما قام به بعض الشباب في مصر والأردن وغيرهما من الانتقام لشهداء غزة والمستضعفين من رجالها ونسائها وأطفالها؛ فأثخنوا في الصهاينة المجرمين، وصار كل منهم أيقونة في بلده ومثالاً يحتذى به في البطولة والفداء
ثامنها: استعادت أحداث السيرة وهجها وألقها؛ حين تُسرد غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ومعاركه المباركة، ويرى الناس في تلك الثلة المجاهدة على أرض غزة العزة صورة من تلك الأحداث في صبرهم وثباتهم وشجاعتهم وركوبهم الصعاب؛ فعلم الشباب أن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام ليست أضغاث أحلام، ولا هي محض خيال، بل في الواقع المعاش ما يصدقها ويعيدها جذعة!
تاسعها: علم الشباب أن النفاق شأنه خطير حين سمعوا بعض أصحاب اللحى يزهّدون الأمة في الجهاد، ويطعنون المجاهدين في مقتل؛ حين يزعمون أنهم قد جرُّوا على أهل غزة الويلات، وكأن أهل غزة كانوا في عيش رغيد! وفي الوقت نفسه يخزنون ألسنتهم عن النطق بكلمة واحدة في حق أنظمة ثبت أنها للكيان الصهيوني داعمة، ومعه منسِّقة، وأنها تمُدُّه بالسلع والأغذية والأدوية، والمعلومات الاستخبارية.
عاشرها: تجددت ثقة الشباب في حقائق قرآنية قد علاها ضباب كثيف عند كثيرين، وذلك حين رأوا ثبات المجاهدين وشدة بأسهم وعظيم ثقتهم في ربهم؛ فجددوا إيمانهم بقوله تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 249).