
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد ولم يترك شيئا مما امر به الا بلغه فتح به اعينا عميا واذانا صما وقلوبا غلفا وهدى الناس من الضلالة ونجاهم من الجهالة وبصرهم من العمى واخرجهم من الظلمات الى النور وهداهم باذن ربه الى صراط مستقيم اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد وعلى اله وصحبه ومن اقتفى اثره واهتدى.
اما بعد فان اصدق الحديث كلام الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وما قل وكفى خير مما كثر والهى وانما توعدون لآت وما انتم بمعجزين
اما بعد المسلمون عباد الله فهذا هو اليوم الحادي والعشرون من رمضان وما بقي من ايامه الا قليل اسأل الله عز وجل ان يتقبل منا ما مضى وان يبارك لنا فيما بقي.
ايها المسلمون عباد الله تعرضوا لنفحات ربكم في هذا الشهر المبارك فان لربكم في بقية ايام دهركم نفحات فتعرضوا لعل دعوة توافق رحمة يسعد صاحبها سعادة لا يشقى بعدها ابدا اروا الله عز وجل من انفسكم خيرا اكثروا في هذه الايام من تلاوة القرآن وذكر الله والاستغفار واقرعوا ابواب السماء بالدعاء وارجو رحمة ربكم جل جلاله واملوا فيه خيرا وجددوا لله يا عبادي الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم وانيبوا الى ربكم
ايها المسلمون عباد الله في مثل هذه الايام المباركة كانت غزوة الفتح الاعظم فتح الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم مكة فعادت اسلام بعدما كانت دار كفر وعبد فيها الله وحده بعد ما كان يشرك به فيها غيره وها هنا جملة من الدروس والعبر التي نتعرض لها:
اول هذه الدروس ايها المسلمون ان الله جل جلاله لا يعجب لعجلة احدنا الله جل جلاله اجرى هذا الكون سنن لا تتغير ولا تتبدل ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا فان دعوة الاسلام قد مضى عليها احدى سنة والاصنام حول الكعبة ثلاثمئة وستون صنما قد ثبتت بالرصاص حول الكعبة العزى ومناة واللات وغير ذلك من الاسماء التي ما انزل الله بها من سلطان مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة وهذه الانصاب منصوبة ومكث في المدينة بعدها ثماني سنين ثم بعد ذلك جاءت غزوة الفتح فدخل عليه الصلاة والسلام مكة واشار الى هذه الاصنام وهو يقرأ قول ربنا جل جلاله : }جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا{ فما اشار لصنم في وجهه الا خر على ولا اشار لصنم في قفاه الا خر على وجهه قد يقول قائل لماذا لم ينتصر الله عز وجل لدعوة التوحيد ورسالة الاسلام اليوم الاول فازيلت تلك الاصنام ومحيت معالم الشرك من مكة؟ نقول هذه سنة الله عز وجل الله جل جلاله لا يعجل لعجلة احدنا قد جعل الله لكل شيء قدرا قدر المقادير وكتب الاجال وقسم الارزاق هذه حكمته جل جلاله }ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض{
ثاني هذه الدروس ايها المسلمون عباد الله ان النصر قد يأتي من حيث لا نحتسب ما كان السبب في فتح مكة ان المشركين قد اعتدوا المدينة او انهم حاولوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل جعل الله السبب ان يعتدي بنو بكر على قبيلة خزاعة وهم حلفاء المسلمين فيأتي عمرو بن سالم الى المدينة ويقول
يا ربي اني ناشد محمدا .. حلف ابينا وابيه الاتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا .. فانصر رعاك الله نصرا مؤبدا
ان قريشا اخلفوك الموعدا .. وبيتونا بالوتير هجدا
وقتلونا ركعا وسجدا .. وزعموا اني لست أدعو احدا
الى اخر ما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “نصرت يا عمرو بن سالم” ثم امر المسلمين بان يتهيأوا للخروج وكتم خبر عن الوجهة التي يريد الا عن بعض خاصته من صحابته المقربين، وقال : “اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش حتى نبغتها في ديارها” اتى الله عز وجل بالنصر من حيث لا يحتسب الناس نصر الله لعباده المؤمنين لا يتوقف على الاسباب التي يألفها الناس ويعهدونها بل ياتي بالنصر من حيث لانحتسب
ثالث هذه الدروس ايها المسلمون عباد الله ان المؤمنين قد يكرهون شيئا ولكن يقدر الله عز وجل فيه خيرا }وعسى ان تكرهوا شيئا هو خير لكم وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا{ هؤلاء المسلمون يوم بدر كانوا للقتال كارهين }كما اخرجك ربك من بيتك بالحق وان فريقا من المؤمنين لكارهون{ قدر الله في هذا الامر خيرا كثيرا وجعل يوم بدر يوم الفرقان يوم التقى الجمعان وهكذا في القرآن الكريم كره المؤمنون كانوا مع طالوت لقاء الكفار بقيادة جالوت لكن الله عز وجل قدر في ذلك خيرا }وقتل داوود جالوت واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء{
هكذا يوم الحديبية كره المسلمون ذلك الصلح وقالوا على من اعطي الدنية في ديننا فجعل الله ذلك الصلح سببا للفتح بل سماه فتحا }انا فتحنالك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخرويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما{ فلا تكرهوا من قدر الله شيئا ايها المسلمون عباد الله
رابع هذه الدروس ان دين الاسلام يعظم حرمة الدماء ليس ديننا متعطشا لسفكها ولا ساعيا لاراقتها بل هو معظم للحرمات فان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يملك ان يدخل مكة بذلك الجيش العظيم الذي يسير كالسيل لا يدرى اوله من اخره كان يملك ان ينتقم من اولئك المشركين وان يبيد خضراءهم لكنه عليه الصلاة والسلام اراد ان يدخلها معظما لحرمتها عارفا بقدرها والا تراق فيها الدماء اعلن في الناس صلوات ربي وسلامه عليه قائلا : “ان الله حرم مكة يوم خلق السماوات والارض فهي حرام بحرمة الله الى يوم القيامة فان تعلل احد بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا له ان الله قد احلها لنبيه ساعة من نهار ولا تحل لاحد بعده”
خامس هذه الدروس ايها المسلم العفو عند المقدرة نتعلمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه عليه الصلاة والسلام قام في فناء الكعبة وقد جمع له المشركون وقد بلغ منهم القلوب الحناجر وقد ظنوا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم سينتقم منهم ويضرب رقابهم ويريق دماءهم لكنه عليه الصلاة والسلام قال : يا معشر قريش ما تظنون اني فاعل بكم؟ قالوا : خيرا اخ كريم وابن اخ كريم قال لا اقول الا كما قال يوسف لاخوته لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم اذهبوا فانتم الطلقاء” يعلمنا صلوات ربي وسلامه عليه انه ما ظلم عبد مظلمة فعفا الا زاده الله بها عزا يعلمنا عليه الصلاة والسلام ان تعالى يحب من عباده من كان عفوا غفورا صفوحا كريما }وليعفو وليصفحوا الا تحبون ان يغفر الله لكم{ اسأل الله عز وجل ان يرزقنا الاقت والسير على نهجه وان يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه توبوا الى الله واستغفروه
الحمد لله على احسانه واشهد ان لا اله الا الله تعظيما لشأنه واشهد ان محمد عبده ورسوله الداعي الى رضوانه صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله واصحابه وازواجه وانصاره واخوانه
اما بعد ايها المسلمون فاتقوا الله حق تقاته وتوبوا الى الله جميعا ايها المؤمن لعلكم تفلحون
واعلموا اخوتي في الله بان هذه الايام والليالي الفاضلة هي التي ترجى فيها ثمرة رمضان من مغفرة الذنوب وحط الخطيئات فاكثروا فيها من الاعمال الصالح وتقربوا الى الله عز وجل بانواع الطاعات واروا الله عز وجل من انفسكم خيرا واعلموا ان هذه فرصة سانحة قد لا تتكرر فان ناسا شهدوا معنا رمضانا من عام مضى ولم يشهدوا معنا رمضان في هذا العام فرق بيننا وبينهم الموت وبعض الناس صام في رمضان الذي مضى ثم عجز عن الصيام في هذا العام لمرض الم به وقد امرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ان نغتنم اللحظة الحاضرة فقال عليه الصلاة والسلام : “اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وحياتك قبل موتك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك وصحتك قبل سقمك” “بادروا بالاعمال سبعا هل تنتظرون الا فقرا منسيا او غنا مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفندا او موتا مجهزا او الدجال فشر غائب ينتظر او الساعة فالساعة ادهى وامر”
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم ان يتقبل منا صالح الاعمال وان يغفر لنا سيئاتنا وان يكفر عنا خطيئاتنا وان يتوفانا مع الابرار اللهم صل على محمد وعلى ال محمد ولا تدع لنا ذنبا الا غفرته ولا هما الا فرجته ولا كربا الا نفسته ولا دينا الا قضيته ولا عسيرا الا يسرت ولا مبتلى الا عافيته ولا مريضا الا شفيته ولا ضالا الا هديته ولا غائبا الا رددته ولا حقا الا اظهرته ولا باطلا الا ازهقته ولا داعيا الى هداك الا وفقته ولا مجاهدا في سبيلك الا نصرته ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح الا اعنتنا على قضائها ويسرتها برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم اجعلنا من عتقائك في هذا الشهر المبارك من النار اللهم اجعلنا ممن صام رمضان ايمانا واحتسابا واجعلنا ممن قام رمضان ايمانا واحتسابا اللهم شهر رمضان شاهدا لنا ولا تجعله شاهدا علينا اللهم اعد علينا رمضان ازمنة عديدة واعواما مديدة في حياة سعيدة واعنا على صيامه وقيامه وابدلنا بعد الفقر غن وبعد الذل عزا وبعد الخوف امنا وبعد الفرقة والاختلاف وحدة واعتصاما وردنا الى دينك ردا جميلا اللهم يا سميع الدعاء يا قريب الرجاء يا من يقول للشيء كن يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والاكرام نسألك لاخواننا في غزة صبرا جميلا وفرجا قريبا وعافية من البلايا وغنا عن الناس اللهم ارحم ضعفهم وتولى امرهم واحسن خلاصهم وفك اسرهم وانصرهم على القوم الظالمين اللهم اطعم جائعهم واكس عاريهم وداوي مريضهم واشف جريحهم وتقبل شهيدهم برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم انا نسألك برحمتك ان تطفئ نار الحرب في السودان وان تعوض الناس خيرا يا رحمن وان تغير حالهم الى احسن حال انك على ما تشاء قدير اللهم فرج عن المسلمين في كل نفس كروبهم وفرج همومهم وادر ارزاقهم برحمتك يا ارحم الراحمين اللهم هذا الدعاء ومنك الاجابة وهذا الجهد وعليك التكلان ولا حول ولا قوة الا بك اللهم صل وسلم وبارك