خطب الجمعة

ردود على برهامي

الحمد لله الذي له ما في السَّماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، يَعلم ما يَلِجُ في الأرض وما يَخرُجُ منها وما يَنزِلُ من السَّماء وما يَعرُجُ فيها، وهو الرَّحيم الغفور. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا وعظيمنا محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة والنعمة المسداة، والسراج المنير والبشير النذير، أرسله ربه بالهدى ودين الحق ليُظهِرَه على الدين كله ولو كره المشركون. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله الذين عذَّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، أولئك هم المفلحون.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون. يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبًا. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا.

أما بعد، أيها المسلمون عباد الله، فإن ربكم جل جلاله قد افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ لكم حدودًا فلا تنتهكوها، وسكت عن أمور رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها. ومن أعظم المحرمات التي بيَّنها ربنا جل جلاله القول على الله بغير علم، أن يقول الإنسان على الله ما لم يقل، أو يحكم في شيء بأنه حلال أو حرام مفتريًا على الله الكذب. بيَّن ربنا جل جلاله أن ذلك من تزيين الشيطان، فقال جل من قائل: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 168-169].

وبيَّن جل جلاله أن القول عليه بغير علم أكبر الكبائر وأعظم الموبقات، فقال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33]. قال أهل التفسير: الشرك حقيقته القول على الله بغير علم. وفي السورة التي نقرؤها كل جمعة، سورة الكهف، قول ربنا جل جلاله: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ [الكهف: 4-5]، وقال سبحانه: يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ [الحج: 71]. هؤلاء القائلون على الله بغير علم، أنذرهم الله جل جلاله بالعذاب الأليم: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النحل: 116-117]. وأنكر ربنا جل جلاله على المشركين افتراءهم وقولهم عليه بغير علم: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ [يونس: 59]. ولا شك أنهم كانوا على الله يفترون.

أيها المسلمون عباد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حذَّرنا غاية التحذير من القول عليه بغير علم أو القول على الله عز وجل بغير علم. قال: مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبَيْنِ. وقال: إِنَّ قَوْلًا عَلَيَّ لَيْسَ كَقَوْلٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ، فَمَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ أَوْ نَسَبَ إِلَيَّ مَا لَمْ أَفْعَلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. القول على الله بغير علم خطير، ولو كان في نازلة عين أو متعلقًا بشخص ما. فإن نبينا عليه الصلاة والسلام في بعض غزواته، أصيب أحد من أصحابه بشجة في رأسه، ثم احتلم فسأل بعض الصحابة، قال لهم: إنه قد وجب عليَّ الغسل وفي رأسي شجة، هل تجدون لي من رخصة؟ من أجل أن يتيمم، فقالوا: لا، لابد أن تغتسل. فاغتسل الرجل فمات. فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماذا قال؟ قال: قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، هَلْ سَأَلُوا إِذْ جَهِلُوا؟ إِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ. دعا عليهم: قتلوه قتلهم الله.

أيها المسلمون عباد الله، إذا كان القول على الله بغير علم بهذه الخطورة لو وقع جهلًا، فكيف بمن يقع في ذلك متعمدًا تحريف الكلم عن مواضعه، متعمدًا إضلال الناس، متعمدًا صدهم عن الهدى وإيقاعهم في الردى؟ وإذا كان ذلك في حق نازلة بعينها أو شخص مخصوص، فكيف بمن يتكلم بأمر يتعلق بأمة من الناس، بل يتعلق بالأمة كلها؟ لا شك أن المصيبة أعظم والذنب أكبر والآفة أخطر.

أيها المسلمون عباد الله، منذ أن بدأ طوفان الأقصى، فإن ناسًا من أصحاب اللحى المزوَّرة يخرجون حينًا بعد حين من أجل أن يُثبِّتوا الناس عن الجهاد في سبيل الله، من أجل أن يكسروا عزائمهم، من أجل أن يقنعوهم بما هم عليه من القعود، من أجل أن يجدوا مبررًا لتلك الأنظمة الخائنة الخائرة التي ثبتت خيانتها لله ولرسوله وللمؤمنين. يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب. هؤلاء القائلون على الله الكذب، خرج بعضهم مبررًا قعود تلك الأنظمة عن نصرة إخواننا في فلسطين، بل مشاركًا في الحصار والتجويع والإيذاء لأولئك المجاهدين. خرج على الناس مستدلًا بقول ربنا جل جلاله: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [الأنفال: 72]. قال: نحن بيننا وبين هؤلاء اليهود معاهدة سلام، بيننا وبينهم ميثاق، لذلك لا نملك لهؤلاء شيئًا. سبحان الله، قطع الآية، أخذ منها جزءًا، ظانًّا، وبعض الظن إثم، أنها تعينه على استدلاله الباطل. والآية لا علاقة لها بهذا الأمر.

لو أخذنا الآية من بدايتها، يقول ربنا جل جلاله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [الأنفال: 72]. الآية تتكلم عن المهاجرين والأنصار، رضوان الله عليهم، ثم قال ربنا: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ [الأنفال: 72]. هؤلاء الذين ارتضوا البقاء في دار الكفر مع قدرتهم على الهجرة، ولاية النصرة والمؤازرة بينهم وبين المسلمين مقطوعة حتى يهاجروا. فإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق. هؤلاء الذين اختاروا البقاء في دار الكفر، لا نملك لهم إذا أثاروا مشكلة بينهم وبين المشركين أن نشن حربًا من أجلهم، فلربما يقول المشركون: ما علمنا أن هؤلاء منكم، فإن الإيمان، كما يقول ابن عاشور رحمه الله، لا يُعرف إلا بمخالطة وملابسة. من صاحب الدين، بل من صاحب العقل، يقول إن أهل غزة قد ارتضوا أن يقيموا في دار الكفر؟ بل من الذي يقول إن غزة دار كفر؟ هؤلاء مرابطون على ثغر من ثغور المسلمين، مجاهدون في سبيل الله، واقفون في نحر عدو الإسلام وأهله. ثم يأتي هؤلاء فيقولون: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ.

هذا على فرض أن تلك المعاهدات جائزة شرعًا، بل هي باطلة، باطلة بطلانًا بيِّنًا ظاهرًا، لأن كل صلح بين المسلمين وأهل الكفر يشترط له شرطان رئيسان: الأول ألا يخالف نصًّا شرعيًّا محكمًا، لا يخالف نصًّا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه المعاهدات بطلانها قائم على أساس أنها تنص على إقامة سلام دائم وشامل مع أولئك الصهاينة المعتدين على بيت المقدس، المعتدين على مقدسات المسلمين، المدنِّسين مساجد الله. وفي هذا النص إبطال لشريعة السلام الدائم الشامل، إذ يقول جمهور العلماء: الهدنة أقصاها أن تكون عشر سنين، لا تزيد على ذلك. أما هؤلاء فجعلوه سلامًا دائمًا شاملًا بزعمهم. الشرط الثاني لجواز الصلح أن تُراعى فيه مصلحة الإسلام وأهله، وهذه المعاهدات التي قامت بين هذه الأنظمة وبين الصهاينة ما كان فيها للإسلام وأهله مصلحة قط، بل مصلحة الصهاينة هي التي طُلبت وهي التي أُريدت.

أيها المسلمون عباد الله، من التلبيس والتدليس أن يقول قائل إن المجاهدين في غزة ما شاوروا قبل أن يثيروا تلك الحرب، وكأن القائل يستخف بعقول الناس، ويريد من هؤلاء المجاهدين أن يشاوروا أنظمة العمالة والخيانة التي تمد هؤلاء اليهود بالأغذية والأدوية، بل التي أسَّست على المجاهدين وتدل على عوراتهم، وهي عون لهؤلاء الصهاينة. أي عاقل يقول هذا؟ ثم من الذي يقول من المسلمين إن دعمك لأخيك المسلم إذا حارب عدوًّا شرطه أن يستشيرك؟ من الذي يقول هذا؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسَلِّمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ؟ ألم يقل: انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا؟ ألم يقل: الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ؟ نصوص متكاثرة متواترة في كتاب الله جل جلاله وفي سنة نبينا صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب أن ينصر المسلم أخاه المسلم، وعلى حرمة خذلانه والتخلي عنه. ضربوا بهذا كله عرض الحائط، ثم قالوا: هؤلاء ما شاورونا.

أيها المسلمون عباد الله، فاعلموا أن جهاد إخواننا في غزة جهاد شرعي ناصع البياض، لا تعتريه شبهة. وإن هذا الذي انطلق في السابع من أكتوبر ليس بدعًا ابتدعه هؤلاء، وإنما هو حلقة في سلسلة طويلة امتدت منذ بدايات القرن العشرين، لما وطئت أقدام الإنجليز النجسة أرض فلسطين، ثم وهبوها لهذه الشرذمة من اليهود. هذا جهاد شرعي انطلق في السابع من أكتوبر إنفاذًا لقول ربنا جل جلاله: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [النساء: 75]. انطلق هؤلاء المجاهدون في عملهم المبارك من أجل فكاك الأسرى، بعضهم يمكث في سجون اليهود أكثر من أربعين سنة. ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول لنا: فُكُّوا الْعَانِيَ أَيِ الْأَسِيرَ، وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ. هؤلاء الأسرى، علماؤنا يقولون: لو كان عند الكفار أسير من المسلمين واحد، فواجب فكاكه ولو أتى على جميع ما في بيت المال. فكيف بآلاف الأسرى فيهم النساء، فيهم الشيوخ، فيهم الأطفال، فيهم المرضى، يسومهم الصهاينة سوء العذاب بالليل والنهار؟ ثم لا يغضبون لذلك، بل يحطون اللوم على أولئك المجاهدين الذين خرجوا في سبيل الله. أسأل الله عز وجل أن يكفِّر سوادهم، وأن يبارك جهادهم، وأن يحفظهم بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن ينصرهم على من عاداهم، إنه خير المسؤولين وخير المعطين.

توبوا إلى الله. الحمد لله على إحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه وأنصاره وأزواجه وإخوانه.

أما بعد، أيها المسلمون، فاتقوا الله حق تقاته، وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون. واعلموا، يا إخوتي في الله، أن من قالة انطلقت من بعض الأفواه تصوير المسلمين أنهم ضعفاء، وأنهم لا قيمة لهم، لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، وأنه لا قبل لهم بمقارعة هذا العدو الظالم. وهذه الفرية أثبتت الأحداث أنها باطلة، فهذه عصابة مؤمنة، قليل عددها، ضعيفة عدتها، استطاعت أن تقارع هؤلاء الصهاينة ومن وراءهم الصليبيون الآن ستة عشر شهرًا، وأحدثوا فيهم نكاية ما يعلمه إلا الله، مصداقًا لقول ربنا: إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النساء: 104]، وقوله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140].

هؤلاء المبطلون، القائلون على الله ما لا يعلمون، المتعمدون تحريف الكلم عن مواضعه، يستدلون بأن الله عز وجل أوحى إلى المسيح في آخر الزمان حين خروج يأجوج ومأجوج: إِنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانَ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ [الأنبياء: 96]. سبحان الله، يستدلون بأمر قدري يناقضون به النصوص الشرعية، النصوص الشرعية الآمرة بالجهاد، الآمرة بالقتال، الواعدة بالنصر، التي قال فيها ربنا جل جلاله: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 66]. استدلالهم بأنه لا مكافأة بين القوتين، نقول: سبحان الله، متى كانت قوة المسلمين مكافئة لقوة عدوهم؟ ألم نقرأ في غزوة بدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معه ثلاثمائة وبضعة عشر، عدة أصحاب، ما كان معهم إلا فرسان، وكل ثلاثة يعتقبون بعيرًا، وما معهم إلا ستة أسياف؟ ألم نقرأ أن المسلمين يوم الأحزاب كانوا قليلًا عددهم، ضعيفة قوتهم، يعانون جوعًا شديدًا وبردًا شديدًا وخوفًا شديدًا: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب: 10-11]. المسلمون في مؤتة كانوا ثلاثة آلاف في مقابل مئة ألف من الروم، انضم إليهم مئة ألف من عملائهم من العرب، من الأساسنة وجذام وغيرهم، ثلاثة آلاف أمام مئتي ألف. كأني بهؤلاء لو كانوا في ذلك الزمان لأنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقال قائلهم: على ما نقتل أنفسنا؟ ولقال قائلهم: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا [آل عمران: 156]، إلى غير ذلك من الشنشنة التي عُرفت من أسلافهم من أهل النفاق، نعوذ بالله من ذلك.

يا أيها المسلمون يا عباد الله، لا تنسوا إخوانكم المجاهدين في بيت المقدس وفي أكناف بيت المقدس، أكثروا من الدعاء لهم، جاهدوا معهم بأموالكم، زيفوا هذه الشبهات التي يطرحها هؤلاء حينًا بعد حين، وكونوا على ثقة من أن الجهاد شريعة ماضية إلى يوم القيامة مع كل بر وفاجر، وهي طريق محمد صلى الله عليه وسلم. أسأل الله عز وجل أن ينصر إخواننا المجاهدين، وأن يثبت أقدامهم، وأن يقوي شوكتهم، وأن يجمع كلمتهم، وأن يسدد رميتهم، اللهم احفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم، ونعيذهم بعظمتك أن يُغتالوا من تحتهم. اللهم انصر من نصر دينك، واخذل من خذل دينك، اللهم احفظ إخواننا المجاهدين في غزة بما تحفظ به عبادك الصالحين، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اسقِ ضامئهم، اللهم اكسِ عاريهم، اللهم داوِ مريضهم، اللهم اشفِ جريحهم، اللهم تقبل شهيدهم، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا، يا أكرم الأكرمين ويا أرحم الراحمين. اللهم إنا نسألك لأهل غزة أمانًا من كل خوف، اللهم أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.

اللهم عليك بكل منافق وخائن وعميل، اللهم احصهم عددًا واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، واصرف شرورهم عن عبادك المؤمنين يا رب العالمين. اللهم عليك باليهود ومن شايعهم ومن هادنهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين، وأرنا فيهم عجائب قدرتك يا رب العالمين. اللهم أطفئ نار الحرب في السودان، اللهم انصر عبادك المؤمنين على أولئك البغاة الظالمين، اللهم اعدها دار أمن وإيمان وسلام وإسلام، ورد عبادك إلى ديارهم سالمين غانمين، يا أرحم الراحمين، إنك على ما تشاء قدير. اللهم فرِّج همَّ المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين من المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين أجمعين، وارحم موتانا يا أرحم الراحمين، وفرِّج عن عبادك المسجونين، وفكَّ أسر المأسورين، ووسِّع على عبادك المقلين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وارفع لهم الدرجات في الحياة وبعد الممات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، وأقم الصلاة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى