الإخلاص في العبادة
بلغني حديث شريف مفاده أن من عمل عملاً للآخرة يبتغي أو يريد به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة، والحق أقول انه بعد علمي بذلك خفت كثيراً وترددت كثيراً في عبادات عدة، وأيضاً تغيرت لديَّ أمور كثيرة، وكذلك سمعت أن العمل – الديني – إذا دخله طلب شيء من الدنيا فإن ذلك محبط للعمل، والحقيقة أحدث ذلك لديَّ كثيراً من الالتباس والتعارض؛ وسؤالي هو: هل هذا الحديث صحيح وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وإن صح فما المقصود تماماً من عرض الدنيا في هذا الحديث؟ وكيف أجمع بينه وبين كثير جداً مما ورد في القرآن والسنة مما يدل على فائدة دنيوية مرتبطة مع الكثير من العبادات مثل أن الاستغفار مجلبة للرزق؛ قال تعالى {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا} أرجو منكم إفادتي إفادة شافية كافية في هذا الأمر تزيل اللبس وتجلي الغشاوة حيث إن كثيراً من العبادات قد أجَّلتها لحين النظر في هذا الأمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالنصوص الشرعية ناطقة بوجوب الإخلاص في القول والعمل؛ وأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه؛ قال سبحانه {ألا لله الدين الخالص} وقال سبحانه {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصاً له الدين * وأمرت لأن أكون أول المسلمين * قل الله أعبد مخلصاً له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه} وقال سبحانه {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} ونبينا صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نخلص لله تعالى في شأننا كله؛ ولما سئل عن الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل ليرى مكانه أي ذلك في سبيل الله؟ قال {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} وقال عليه الصلاة والسلام {من غزا لا ينوي إلا عقالاً، فليس له إلا ما نوى} وأخبر أن أول من تسعر بهم النار ثلاثة: قارئ ومنفق وشهيد؛ لأنهم ما أرادوا بأعمالهم وجه الله تعالى، وفي القرآن الكريم ]من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} وقال تعالى {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}
فالأصل أن يراد بالعمل وجه الله تعالى وأن يطلب رضاه جل جلاله ثم بعد ذلك ما سيق من منفعة دنيوية ولذة عاجلة فلا بأس، ودونك تاريخ الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فإنهم أرادوا بجهادهم وجه الله فسيقت لهم الدنيا وفتحوا البلاد وصاروا قادة وأصحاب أموال وضياع؛ ولا يؤثر ذلك في خلوص نيتهم وكمال أجرهم إن شاء الله.
كما أن بعض الأمور قد تكون لذتها دنيوية محضة لكن من فعلها استجابة لأمر الله تعالى فهو مأجور؛ كما في لذة النكاح مثلاً؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن في بضع أحدكم صدقة، وقد استقر في أذهاننا نحن المسلمين أن طاعة الله سبب لكل خير في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}