فناء النار
هناك من العلماء من يقول بفناء النار وهناك من يقول بعكس ذلك ما هو القول الفصل في هذا الخلاف؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فإنَّ اعتقادَ أهلِ السُّنة أنَّ النارَ غيرُ فانِية؛ لقولِ الله عز وجل {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} وقولِه جل جلاله {خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُون} وقوله تعالى {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب} وقوله تعالى {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} وقوله تعالى {فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا}
وأما قولُه تعالى {قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} وقولُه عز وجل {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} فقد ذكرَ أهلُ التفسير “أنَّ الاستِثناءَ عائدٌ على العُصاةِ مِن أهلِ التوحيد، ممن يُخْرِجُهم الله من النار بشفاعةِ الشافعِين من الملائكة والنبيِّين والمؤمنين حين يشفعُون في أصحابِ الكبائر، ثم تأتي رحمةُ أرحَمِ الراحمين؛ فتُخرِجُ من النار من لم يعمَلْ خيراً قط، وقال يوماً من الدهر: لا إله إلا الله. كما وردت بذلك الأخبارُ الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وَجَبَ عليه الخلودُ فيها ولا محيدَ له عنها. وهذا الذي عليه كثيرٌ من العلماء قديماً وحديثاً في تفسيرِ هذه الآية الكريمة”. [تفسير ابن كثير 4/351-352]. وأما الاستِثناء في قوله تعالى {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّك} فـ”معنى الاستثناء هاهنا: أنَّ دوامَهم فيما هم فيه من النعيم، ليس أمراً واجِبا بذاته، بل هو موكُولٌ إلى مشيئة الله تعالى؛ فله المنة عليهم؛ ولهذا يُلْهَمون التسبيحَ والتحمِيدَ كما يُلْهَمُون النَّفَس” [تفسير ابن كثير 4/352]. وإذا استحضرنا حديثَ الجهنميين التي يخرجون من النار وقد امتحِشُوا ويدخلون الجنة كما في الصحيحين ازددنا فهماً واقتناعاً بهذا التفسير؛ فالخلودُ في الجنة للسعداءِ برحمةِ اللهِ ولُطفِه، والخلودُ في النارِ للأشقياءِ بِعَدلِه وحِكْمَتِه، ولا يُخلَّد في النار عُصاةُ الموحِّدين وأهلُ الكبائرِ من هذه الأمة. وأما ما يُنسَبُ إلى ابنِ القيم رحمه الله من القول بفناء النار، فهو على خلاف ما قرَّره رحمه الله في (الوابل الصيِّب)؛ ولذلك جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: “رأي ابن القيم في فناء النار يمكنك أن ترجع إليه في كتابه [الوابل الصيب] فقد صرح فيه بأن النار لا تفنى، كما هو قول جمهور أهل السنة والجماعة”. [فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء2/2. س13 من الفتوى رقم (4264)].
وننصح السائل الكريم بالعناية بمعرفة أحكام العبادات والمعاملات والعلم الواجب معرفته والأمورِ التي يترتبُ عليها عَملٌ ولا يسَع أحداً جهلها. وقد قيل:
وإذا طَلبتَ العِلمَ فاعْلَمْ أنه حِمْلٌ فأبْصِرْ أيَّ حِمْلٍ تَحْمِلُ!
وإذا عَلِمْتَ بأنه مُتفاضِلٌ فاشْغَلْ فُؤادَك بالذي هو أفضلُ!
والله الموفق للعلم النافع والعمل الصالح.