السيرة النبوية

شبهة انتحار النبي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما ردك على شبهة انتحار الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أما بعد

فهذه الرواية من بلاغات ابن شهاب الزهري رحمه الله؛ وفيها «ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلّى الله عليه وسلّم- فيما بلغنا – حزناً غدا منه مراراً كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدّى له جبريل، فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدّى له جبريل فقال له مثل ذلك»

فهذه الرواية ليست على شرط البخاري رحمه الله؛ لأنها من البلاغات، وهي من قبيل المنقطع؛ الذي هو من أقسام الضعيف؛ ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري: «ثم إن القائل فيما بلغنا هو الزهري، ومعنى الكلام أن في جملة ما وصل إلينا من خبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذه القصة، وهو من بلاغات الزهري وليس موصولا»

فليست هي بالرواية الصحيحة التي يُعوَّل عليها ويُلتمَس لها التأويل؛ يقول الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله تعالى في كتابه (السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة): وليس أدلَّ على ضعف هذه الزيادة وتهافتها من أن جبريل عليه السلام كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم كلما أوفى بذروة جبل: يا محمد، إنك رسول الله حقًّا ـ وأنه كرر ذلك مرارًا، ولو صح هذا لكانت مرة واحدة تكفي في تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصرفه عما حدّثته به نفسه، كما زعموا. اهـ.

وقد ضعفها أيضًا القاضي عياض في الشفا، ثم قال: مع أنه قد يُحمل على أنه كان أول الأمر، كما ذكرناه، أو أنه فعل ذلك لما أحرجه من تكذيب من بلغه، كما قال تعالى: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفًا} أو خاف أن الفترة لأمر، أو سبب منه، فخشي أن تكون عقوبة من ربه، ففعل ذلك بنفسه.. ولم يَرِد بَعْدُ شرعٌ بالنهي عن ذلك، فيُعترض به، ونحو هذا فرار يونس عليه السلام؛ خشية تكذيب قومه له لما وعدهم به من العذاب. اهـ.

ومما يدل على ضعفها ما استفاض من سيرته صلّى الله عليه وسلّم من رباطة جأشه وثبات قلبه وحسن ظنه بربه تبارك وتعالى، حيث مرت له حالات أثناء الدعوة إلى ربه أشد وأقسى من هذه الحالة، فما فكر في الانتحار بأن يلقي نفسه من شاهق جبل أو يبخع نفسه، فقد ألقى المشركون على ظهره ورأسه القاذورات وهو ساجد، ووضع أحدهم قدمه على رقبته وهو ساجد، وضُرب بالحجارة حتى سال منه الدم حين ذهب إلى الطائف، وطلب منه عمه أن يكف عن دعوته حتى ظن أن عمه مُسْلمُه، وفي يوم أحد كُسِرت رباعيته وجُحِشت ركبتاه وشُجَّت جبهته وتهشمت البيضة على رأسه، فواجه تلك الشدائد كلها مواجهة البطل الصنديد، وما وهن لما أصابه في سبيل الله وما ضعف وما استكان.

يقول الشيخ أبو شهبة رحمه الله تعالى: والتعليل الصحيح لكثرة غشيانه صلّى الله عليه وسلّم في مدة الفترة رؤوس الجبال وشواهقها، أنّ الإنسان إذا حصل له خير أو نعمة في مكان ما فإنه يحب هذا المكان، ويتلمس فيه ما افتقده، فلما انقطع الوحي صار صلّى الله عليه وسلّم يكثر من ارتياد قمم الجبال، ولا سيما حراء، رجاء أنه إن لم يجد جبريل في حراء، فليجده في غيره، فراه راوي هذه الزيادة وهو يرتاد الجبال، فظن أنه يريد هذا، وقد أخطأ الراوي المجهول في ظنه قطعا.ا.هــــــ والعلم عند الله تعالى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى