الوقوع في أعراض العلماء
السلام عليكم ورحمة الله، لديَّ عدة أسئلة، جزاكم الله خير الجزاء:
1- أمي التحقت بمعهد لدراسة العلوم الشرعية سمعت عنه كثيراً، وهي فقط تتطلب العلم الشرعي وعندما دخلت وجدت أنه لطائفة معينة من الجماعات الإسلامية وهي مشهورة لا داعي لذكرها، ولكن بدأ هؤلاء الشيوخ يطعنون ويسبون في مشايخ معروفين ولم نعرف عنهم إلا كل خير، أحياناً أثناء الدروس وأحياناً لديهم مادة تسمى طوائف وفرق بدلاً من أن يرشدوهم إلى الفرق الضالة ليتجنبوها، يبدؤون يسبون علماء الأمة الذين نحسبهم ولا نزكيهم على الله إنهم من الصالحين والعلماء الربانيين الذين اختارهم الله وكرمهم وشرفهم لنشر دينه وتحديداً ليكون الكلام واضحاً يسبون بالأسماء ولا يتوانون ولا يتورعون في ذكر الأسماء وممن يسبونهم شيخ محمد الأمين وشيخ عبد الحي يوسف وشيخ محمد عبد الكريم وغيرهم من الشيوخ ويحذرون النساء تحذيراً شديداً من مشاهدة قناة طيبة، علماً بأن أمي أصلاً لا تشاهد غيرها ويقولون من الكلام فيهم ما لم ينزل الله به من سلطان، وهؤلاء الشيوخ الذين يدرسونهم من المفترض أنهم أصحاب دين وهم من حملة الدكتوراه وغيرها في علوم الدين، وأحياناً عندما أكون في عطلة من العمل أذهب مع أمي إلى هذا المعهد وفي مرة بدأ هذا الشيخ يطعن ويسب في الشيوخ الذين ذكرتهم فلم أتحمل والله أبداً أن أسمع هذا الكلام فبكيت كثيراً لأن الأمة تحتاج منا إلى ما هو أعظم من ذلك، فبدلاً من أن نحارب أعداء الله نشغل أنفسنا بهذه الأشياء القبيحة ثم تمالكت نفسي، وقررت أن أتكلم معه كان من كان ودخلت معه في نقاش حاد واتهمني بأنني أنتمي إلى هذه الطائفة وأخبرته أنه على خطأ عظيم وحاورته كثيراً حتى غضب وأخبرته أن هؤلاء الذين تتحدث عنهم لم نسمع منهم في لحظة من اللحظات أنهم يسبون طائفة أو يتحدثون عن شيخ أو يسبونه إلا أن تكون طائفة ضالة ضلالاً وضحاً، لأنهم مشغولون بما ينفعهم في دينهم وبما ينفع الأمة، وإنهم لأرفع من أن يشغلوا أنفسهم بسفاسف الأمور وحقيرها أخبرته بذلك كله فغضب وأنهى الحديث، بعد ذلك جعلت أحذِّر النساء ويدرس فيه نساء كثيرات أمي قالت إنهن في البداية كن ينكرن هذا الحديث ولكن البعض منهن بدأن يتأثرن، حذرتهن من الالتفات لهذه الأمور وأن يأخذوا فقط العلم الشرعي الذي جاءوا من أجله ولكن السؤال أمي الآن في حيرة كبيرة من أمرها، فهي الآن كرهت هذا المعهد وتقول أنها لا تستطيع أن تحتمل هذا الكلام، والآن هي على وشك أن تكمل السنة الأولى وتريد أن تتركه، ولكن أيضاً هنالك فائدة منه فماذا تفعل هل تتركه أم تصبر وتتحمل ما تسمع من أجل ما تحصله من علم وجزاكم الله عن المسلمين والأمة خير الجزاء
2- لديَّ خالي وهو أصغر إخوان أمي جدتي أسرفت في تدليله فأصبح لا يتحمل المسؤولية وعندما أصبح شاباً التفت عليه مجموعة من الشباب الضالين وكانت جدتي تعطيه الفلوس بلا حساب، فصار يشرب الخمر وترك الصلاة وفي رمضان لا يصوم أبدا والعائلة والحمد لله ملتزمة، الجميع ينصحونه، وأحياناً يحبسونه، وصار لا يعمل ولا يدرس وهو على هذه الحالة منذ سنين طويلة وما من وسيلة إلا وجربوها معه ولكن أمي تحنو عليه بعد أن توفيت جدتي فهي تعطيه المال وأخي قال يجب مقاطعته تماماً حتى ينتهي ويتأدب وبالفعل الكثير منا قاطعه حتى أمي بدأت تقاطعه، أحياناً أندم وأقول لعلي بذلك أكون قاطعة رحم فما العمل، فهل نتعامل معه طبيعياً أم تجوز مقاطعته؟
3- أنا أعمل طبيبة وهنالك كثير من الزملاء الرجال وبحكم عملنا نقضي أوقاتاً طويلة في العمل، أنا والحمد لله ملتزمة بالحجاب وأتعامل مع الناس كلهم بذوق ولا أحب أن أحرج أحداً وأتعامل معهم في حدوووووود شديدة ولكن بأدب واحترام، ولكن أحس أن تعاملي معهم يجذبهم فكثير منهم يخبرني بأنه معجب بي وأنه يريد الارتباط بي وهم أصلاً غير ملتزمين ولكني ألوم نفسي كثيراً وأشعر بأني مذنبة في تعاملي معهم وأقول في نفسي لو لم أجذبهم بتعاملي لما فكروا في ذلك، ولكن لا أستطيع أن أتعامل بحدة أو قسوة أبداً فماذا أصنع؟
4-أنا أعمل لساعات طويلة وأحيانا يكون الجو حاراً فلا بد من أضع مزيلاً للعرق يمسح فقط رائحته ولا تفوح ولكن إذا اقترب مني شخص يستطيع أن يشمه وبحكم عملي كثيراً ما أقترب من الرجال فهل هذا يدخل في الحديث؟ ولا يوجد بديل آخر له وإذا كان كذلك فما الحل؟ كذلك تغسل الملابس بصابون معطر ورائحته تكون عالقة في الملابس فهل حكمه حكم العطر؟
5- ما حكم قص الشعر لأنه يبين حجمه من تحت الخمار إذا لف وكذلك إذا ضفر يظهر فهل يجوز قصه بحيث لا يبين كثيرا من تحت الخمار؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته؛ أما بعد.
فإن كاتب هذه السطور لا يعدُّ نفسه عالماً بل هو طالب علم ليس إلا، ويحب أن يدعو الناس إلى الخير ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر بما علَّمه الله من قرآن وسنة، وهو بشر يصيب ويخطئ ولا يحب أن يجعل من نفسه معقد ولاء وبراء بل يدعو دائماً بدعاء القرآن ((ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم))
وقد روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال {إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط}رواه أبو داود، فثبت بهذا الحديث وجوب توقير العلماء وإحسان الظن بهم وحمل أقوالهم على أحسن المحامل، ولا يعني هذا اعتقاد عصمتهم وأنهم لا يخطئون، بل هم بشر معرَّضون للخطأ والصواب؛ فلا مانع من التنبيه على أخطائهم بما يُحق الحق ويُبطل الباطل، وذلك دون أن نتعمد تتبع عثراتهم وإحصاء هفواتهم، بل الواجب علينا أن نحفظ لأهل العلم حرمتهم وأن نعرف لهم فضلهم، وإن أخطأ الواحد منهم فإننا نعتقد أن ذلك الخطأ أو تلك الهفوة مغمورة في بحر فضائله.
أما إدمان الحديث عنهم بالسوء وتتبع ما وقعوا فيه من أخطاء فهو مسلك أهل الضلالة والهوى؛ فتجد الواحد من هؤلاء لا همَّ له إلا الطعن في العلماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ بدعوى أن مقصد ذلك الداعية خبيث، وأنه ذو نية خبيثة، وأنه صاحب فتنة عدو للسنة، أو أن فلاناً لا يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك التندر عليهم في المجالس وطباعة الأشرطة في التشنيع عليهم والتحذير منهم بزعم أن خطرهم يفوق خطر اليهود والنصارى ونحو ذلك من الدعاوى العارية عن الدليل، والتي تشي بقلة الورع والخوف من الله تعالى.
وعلى كل مسلم أن يعلم أنه لا أحدَ معصومٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال مالك رحمه الله {كل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم} ويقول ابن القيم رحمه الله {فلو كان كل من أخطأ أو غلط تُرِكَ جملةً، وأُهدرت محاسنه لفسدت العلوم والصناعات والحكم وتعطلت معالمها} ويقول كذلك رحمه الله “ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعًا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح، وآثارٌ حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته في قلوب المسلمين. ويقول رحمه الله: “من قواعد الشرع والحكمة أيضًا أن من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنه يحتمل له ما لا يحتمل لغيره، ويعفى عنها ما لا يعفى عن غيره” وقال الإمام الذهبي ملتمسًا العذر لقتادة في مسألة خالف فيها الصواب: “لعل الله يعذر أمثاله ممن تلبس ببدعة يريد بها تعظيم الباري وتنزيهه، وبذل وسعه، والله حكم عدل لطيف بعباده، ولا يُسأل عما يفعل. ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كَثُرَ صوابه، وعُلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعُرِف صلاحُه وورعُه واتباعُه، يغفر له زللـه ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه، نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك”
وعليه أن يعلم أن الأمور التي تُنتقد على بعض الدعاة أو العلماء أمور اجتهادية يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل بين أسلافنا ولم ينكر بعضهم على بعض؛ فيأتي بعض هؤلاء محذِّراً بأن فلاناً قد خالف السنة وانحرف عن المنهج؛ إلى آخر تلك التهويلات التي غايتها صرف الناس عن أولئك الدعاة. إن الواجب على هؤلاء أن يتقوا الله عز وجل وأن يعلموا أن لحوم العلماء مسمومة، وأن سنة الله في أخذ من انتقصهم معلومة، ومن وقع في أعراض العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب، وأذكِّر الجميع بقوله تعالى )والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا( والأمور التي ينتقدها هذا المتكلم على بعض الدعاة قد تكون من المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، وقد يكون الخلاف فيها قد حصل عند السلف فيأتي بعضهم مُهوّلاً أن فلاناً قد خالف في المسألة الفلانية، وأن هذا خلل في المنهج وانحراف عنه ؛ وليس الأمر كذلك. والله الهادي إلى سواء السبيل
واستمرار الوالدة في ذلك المعهد أو انقطاعها عنه منوط بتقدير المصالح والمفاسد التي تترتب على الانتظام في سلكه؛ فإذا كان العلم النافع المبذول فيه هو الغالب على المحاضرات والندوات، وذكر الناس بالسوء لا يأتي إلا عرضاً أحياناً فلا حرج عليها في الاستمرار معهم، ونقول: هذه سيئة مغمورة في بحر حسناتهم؛ وأما إذا كان الغالب عليهم هو القيل والقال وتنفير الناس من الدعاة إلى الله وإيغار الصدور عليهم فلا أرى لها أن تستمر؛ لما في ذلك من المفسدة العظيمة والشر الوبيل؛ فإن سلامة القلوب تجاه المسلمين لا يعدلها شيء، ومن استطاع أن يلقى الله تعالى كافَّ اللسان عن أعراضهم فليفعل، وقد ثبت أن ناساً أدمنوا مجالسة هذا الصنف من الناس فلم يأت عليهم إلا زمان يسير حتى صارت أعراض الدعاة وأهل العلم فاكهة مجالسهم ومادة أنسهم عياذاً بالله من الخذلان، وأما قناة طيبة فخيرها عميم وفضلها كبير، والحمد لله قد كانت سبباً في استهلاك طاقة كثير من الدعاة في تعليم الناس الخير وقد تعدى نفعها إلى خارج الحدود، وما زال متابعوها من الرجال والنساء في ازدياد، ونسأل الله المزيد من فضله، وما ضر شمس الضحى في الأفق ساطعة ألا يرى نورها من ليس ذا بصر. ومثل طيبة مثل النهار يزيد أبصار الورى … نوراً ويعمي أعين الخفاش.
وأما خالكم فالواجب عليكم نهيه عن المنكرات التي يتعاطاها، ويكون ذلك بكل وسيلة تحمله على ترك المنكر، باستعمال الأسلوب الأخف ثم الأثقل؛ فتعمَدوا إلى نصحه ثم منع تصرفه في المال، وإذا لم ينصلح حاله إلا بالمقاطعة فلا حرج عليكم في مقاطعته زجراً له عن أن يكون سادراً في غيه، وقد قاطع النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أصحابُه الثلاثة الذين خُلِّفوا رضي الله عنهم خمسين ليلة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا ألا ملجأ من الله إلا إليه، ولكن قبل ذلك عليكم أن تتأكدوا من أن مصلحة هذه المقاطعة راجحة، واحرصوا على أن تكون مقاطعة جماعية لا أن يقاطعه بعضكم والآخرون يكلمونه ويمازحونه.
ولا يجوز لك استعمال مزيل العرق الذي تفوح رائحته فيشمها الرجال، وعليك بدلاً من ذلك استعمال المسك مع الشب فإنه يؤدي ذات المفعول ولا تشم رائحته، وكذلك لا تغسلي ثيابك بالصابون المعطر، بل استعملي الصابون العادي وتذكري دائماً قوله صلى الله عليه وسلم {دع ما يريبك إلى ما لا يريبك}
ولا حرج في قص المرأة شعرها ما لم يصل إلى حد التشبه بالرجال أو الكافرات. والعلم عند الله تعالى.