
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله وخليله، بلغ الرسالة وادى الامانة ونصح الامة، وجاهد في سبيل ربه حق الجهاد، ولم يترك شيئا مما امر به الا بلغه، فالتى الله به اعينا عميا واذانا صما وقلوبا غلفا، وهدى الناس من الضلالة، ونجاهم من الجهالة، وبصرهم من العمى، واخرجهم من الظلم الى النور، وهداهم باذن ربه الى صراط مستقيم. اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَاهْتَدَى بِهِ. اما بعد، فان اصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وما قل وكفى خير مما كثر والهى، وَإِنَّمَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (الأنعام: 134).
اما بعد، ايها المسلمون، فان ربنا جل جلاله في كتابه الكريم قد امرنا معشر المؤمنين باعداد القوة لمواجهة اعدائنا وارهابهم، فقال جل من قائل: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال: 60). امرنا ربنا جل جلاله في هذه الاية الكريمة بان نعد ما استطعنا من قوة، قال اهل التفسير: التنكير للتعميم، التنكير في قوله تعالى مِنْ قُوَّةٍ للتعميم، فيشمل ذلك القوة المادية من سلاح راع واجساد، ويشمل ذلك القوة المعنوية باعمال هذه القلوب بالايمان بالله والشوق الى لقائه وايثار مرضاته، القوة الاقتصادية والقوة العلمية الى غير ذلك من انواع القوة. وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، الخيل كان افضل وسيلة قتالية على ايام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك ثبت عنه في الحديث انه قال: الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ. وثبت عنه صلوات ربي وسلامه عليه انه قال: الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ: رَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَطَيَّرَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طَيْلِهَا ذَلِكَ، والطيل هو الحبل الذي تربط به هذه الخيل، فقال: هذا الحبل من اجل ان تكون لها حرية في المرعى، فَمَا أَصَابَتْ فِي طَيْلِهَا ذَلِكَ مِنْ مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، فَإِنِ انْقَطَعَتْ طَيْلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَوْطًا أَوْ شَوْطَيْنِ، كَانَتْ آثَارُهَا وَرَوْثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنْ مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا، كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا الَّذِي رَبَطَهَا رِيَاءً وَفَخْرًا وَنَوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ. وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ، فان عدو الله هو عدوكم يا معشر المؤمنين، وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ وهم المنافقون، لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ. ثم وعد ربنا جل جلاله من انفق مالا في سبيل الله في الجهاد وما يعين عليه فان الله جل جلاله لا يضيع اجر المحسنين: وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ.
بين ربنا جل جلاله بان ترك الاعداد والغفل عنه والزهد فيه هو سبيل المنافقين، فقال جل من قائل: وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (التوبة: 46)، كونوا مع النساء والصبيان ممن لم يؤمر بجهاد. وبين جل جلاله الحكمة في ذلك بان خروج هؤلاء المنافقين لا مصلحة لاهل الاسلام فيه: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (التوبة: 47)، ما زادوكم الا نقصا وعيبا واعناتا، لو خرجوا فيكم ما زادوكم الا خبالا، والاوضاع هو الاسراع، يبغونكم الفتنة، وفيكم سماعون لهم.
ايها المسلمون، عباد الله، ربنا جل جلاله لما قال: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، قال اهل التفسير: يشمل كل انواع القوة مما يناسب الزمان والمكان، القوة البرية والقوة الجوية والقوة الحربية. اذا كان الاعداد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاصرا على الخيل وما يركب ظهره وما يستعين به المجاهد، فانه في زماننا يشمل الطائرات والصواريخ والدبابات والمدرعات واسلحة الرماية انواعها والغواصات وغير ذلك مما يستعان به على قتال العدو. لو رجعنا الى السنة العملية، الى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد انه عليه الصلاة والسلام كان يمارس الاعداد بكل انواعه. فمن الاعداد انه عليه الصلاة والسلام صعد على منبره يوما فقرأ هذه الاية: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، فقال: أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ. يبين عليه الصلاة والسلام ان تعلم الرماية والتقوي عليها والتفنن فيها هو اول ما يدخل دخولا اوليا تحت اسم القوة. ولما مر بجماعة من اصحابه وهم يترامون، قال: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا. كان الرمي في ذلك الزمان يكون بالسهام والنصال والقسي وما الى ذلك، اما في زماننا فانه يكون بالاسلحة النارية والمدافع والقنابل. ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، اي يا معشر العرب، فان اباكم اسماعيل عليه السلام كان راميا. ويقول عليه الصلاة والسلام: مَنْ تَعَلَّمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، هذا الذي يتعلم الرماية ثم بعد ذلك يزهد فيها ويتشاغل بدنياه عنها، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: لَيْسَ مِنَّا.
ومن اعداد القوة المادية انه عليه الصلاة والسلام سابق بين الخيل المدمرة من مسجد بني زريق الى ثنية الوداع، يجري سباقا عليه الصلاة والسلام بين الخيل من مسجد بني زريق، الذي يسمى في زماننا السبق، الى ثنية الوداع، مسافة نحو من اثنين كيلو. النبي عليه الصلاة والسلام يجري السباق بين تلك الخيل، بل يسابق بين اصحابه في الركض، ويقول صلى الله عليه وسلم: خَيْرُ فُرْسَانِنَا أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرُ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ. يعلن نتيجة السباق عليه الصلاة والسلام بان الفائز من الفرسان الذين يكونون على ظهور الخيل هو ابو قتادة رضي الله عنه، صعد بن عجلان الباهلي، وان الفائز في سلاح المشاة، في المسابقة بالارجل، هو سلمة بن الاكوع رضي الله عنه وارضاه. النبي عليه الصلاة والسلام يشغل اصحابه في اوقات السلم، اذا لم تكن غزوة او سرية او بعث، يشغلهم بالاعداد، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يصبحون ويمسون في السلاح. ما الحكمة من ذلك؟ قال الله عز وجل: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ. قال المفسرون: لو ان المسلمين اعدوا ما استطعتم من قوة فان ذلك يخيف اعداءهم، فلا يفكرون في غزو بلاد المسلمين، ولا يفكرون في ان يعينوا عليهم عدوهم، ولربما ادى ذلك الى دخولهم في الاسلام، يرون ما عليه المسلمون من قوة ونشاط واعداد واخذ بالاسباب، فان ذلك يرغبهم في الاسلام. مثلما ان ما يرون عليه المسلمين الان من دعة وكسل وعجز وقعود واستغاثة بالكفار الذين هم اعداؤهم، فان ذلك يزهدهم في الاسلام. الان هؤلاء الكفار اذا رأوا المسلمين قعودا، خلي فينا، بل لا يعينون اخوانهم ممن يظلمون ويقتلون، بل غاية همهم ان يستغيثوا بمجلس الامن، بالامم المتحدة، ان يقولوا بان الولايات المتحدة يجب عليها ان تمارس دورها وان تكفف هذا القتال وان تسعى في اضفاء نار هذه الحرب، فان الكفار يسخرون، يقولون: ما بال هؤلاء المسلمين؟ يبلغون اثنين من المليارات بعدد، ما بالهم لا يستطيعون مواجهة خمسة عشر مليونا من اليهود في ارجاء الارض، وفي ارض فلسطين ليس اليهود سوى ستة ملايين؟ يتعجب هؤلاء الكفار ويقولون: لو كان دينهم حقا لما كان هذا حالهم. هكذا المسلمون المعاصرون سبب في الصد عن سبيل الله عز وجل.
ايها المسلمون، عباد الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يعتمد على الدعاء وحده، ولا كان يعتمد على صلاة الليل وحدها، ولا على الاستغفار وحده، بل كان اخذا باسباب القوة المادية، وكان هو المثل الاعلى، صلوات ربي وسلامه عليه، ينزو على الفرس، يركب الفرس عليه الصلاة والسلام عريا، اي من غير سرج، يركب على الفرس مباشرة دون ان يكون عليه سرج او غطاء. وكان عليه الصلاة والسلام مثالا للقوة، فكان اذا ما شاه اصحابه فانهم لا يستطيعون اللحاق به، كان ذريع الخطوة، خطوته واسعة عليه الصلاة والسلام، ان اصحابه ليجهدون انفسهم وهو غير مكترث، لا يبالي عليه الصلاة والسلام. وكان يسابق ام المؤمنين عائشة من باب ادخال السرور عليها ومن باب الاخذ باسباب، واخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه ان: الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ.
ايها المسلمون، عباد الله، هذا الكلام كله في القوة المادية، في قوة السلاح، اسوقه في هذا الدرس من اجل ان انبه الى ان ما نسمعه في هذه الايام من اعداء الله الكفرة الفجرة، كالرئيس الامريكي وزعيم الصهاينة وبعض منافقي وصهاينة العرب، من الدعوة الى نزع سلاح المقاومة، وبلساننا الى نزع سلاح جاهدين في غزة، فان اللفظ الشرعي انهم مجاهدون في سبيل الله، مجاهدون في سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، مجاهدون من اجل فكاك الاسرى، المجاهدون من اجل حماية المقدسات. يدعو هؤلاء الى نزع سلاح هؤلاء المجاهدين، وان هذا هو السبيل الوحيد لايقاف الحرب ومنع التهجير. ايها المسلمون، عباد الله، هذه دعوة باطلة شرعا وباطلة واقعا. اما بطلانها شرعا فلان الله جل جلاله امرنا بالاخذ باسباب القوة، ولان الله جل جلاله امرنا بالا نغفل عن اسلحتنا حتى في حال الصلاة، فقال جل من قائل مخاطبا نبيه عليه الصلاة والسلام: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً (النساء: 102). هذا كلام ربنا الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور. هذه الصلاة هي التي تعرف عند فقهائنا بصلاة الخوف، ولها تسع صفات كلها صحيحة، ثبتت من حديث خوات بن جبير وغيره رضي الله عنه. يعني مثلا لو كانوا في صلاة الصبح، ليقم الامام ولتقم طائفة معه، طائفة من المجاهدين يصلون معه ركعة، فاذا قام الى الركعة الثانية قاموا معه، يتمون الصلاة لانفسهم، يكملون الركعة الثانية، ويبقى هو قائما في الركعة الثانية يرتل القرآن، فاذا فرغوا سلموا من صلاتهم والامام ما زال قائما، فانهم يذهبون في مواجهة العدو، وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ، اي الركعة الثانية، فتكون كل طائفة قد ادركت مع الامام ركعة، وكلهم قد اصاب فضل الجماعة وهم في حال مواجهة مع العدو، فيجمعون بين الطاعات كلها، يجمعون بين الجهاد وبين الصلاة وبين تلاوة القرآن او سماعه وبين ذكر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ (الأنفال: 45-46). كلها عبادات، وكلها لله عز وجل، هذا هو ديننا وهذه هي شريعتنا.
ايها عباد الله، اذا كان ربنا جل جلاله امرنا بان نأخذ السلاح والا نغفل عنه حتى في حال الصلاة، فكيف بجماعة من المسلمين يحاصرهم عدوهم لا يرقب فيهم الا ولا ذمة؟ ثانيا، ايها المسلمون، من ناحية الواقع والتاريخ، كيف ضاعت فلسطين؟ لما تآمر الانجليز عليهم، من الله ما يستحقون، وهم الذين كانوا يحتلون فلسطين، وبدأوا في تمكين العدو. دعا اهل الاخلاص، اهل الرباط، اهل الجهاد، دعوا اهل فلسطين للاعداد واخذ السلاح ومواجهة هؤلاء اليهود، وبدأوا في ذلك، لكن جاءت الجيوش العربية وقالوا لاهل فلسطين: سلمونا اسلحتكم، ونحن نقوم بالمهمة، ونحن في مواجهة هؤلاء. فصدقهم اولئك الناس في ذلك الزمان، ماذا كانت النتيجة؟ هذه الجيوش العربية كان يقودها رجل بريطاني صليبي يقال له اللمبي، هذا الذي كان يقود الجيوش العربية الستة. وسبحان الله، جيش يقول او جيوش يقودها صليبي، ماذا يتوقع منها؟ كان الامر مجرد تمثيلية، اسلحة فاسدة، جيوش فاسدة، يقودها رجل كافر، وكانت النتيجة ان كر اليهود على اهل فلسطين، واقيمت المجازر في دير ياسين وعن طريق الهجانة وغيرهم من تلك العصابات الصهيونية الباغية، وكانت النتيجة تهجير اهل فلسطين وقتلهم. هذا من التاريخ البعيد. اما من التاريخ القريب، لما كان المسلمون يحاربون في البوسنة والهرسك قبل نحو من ثلاثين سنة، جاءت بعثة الامم المتحدة واقنعت اهل سربرنيتسا بان يسلموا اسلحتهم، وان جنود الامم المتحدة كفيلون بحمايتهم. ماذا كانت النتيجة؟ سلموا اسلحتهم، ذبحوا تذبيحا، واغتصبت النساء، وبقرت بطون الحوامل، الى غير ذلك من انواع الاجرام مما سجلته مضابط الامم المتحدة نفسها.
ولذلك، ايها المسلمون، عباد الله، اذا علمنا هذه الدعوة لتسليم السلاح انما هي صادرة من كفار، من امثال رئيس امريكا ورئيس الصهاينة، وصادرة من صهاينة العرب، مما سمعناه قبل ايام، علمنا انها دعوة اثمة ظالمة، لا يحل الالتفات اليها ولا الاستجابة لها، بل نعلم يقينا ان هؤلاء لا يألوننا خبالا، ادوا ما عنتم قد بدت، قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (آل عمران: 118). اسأل الله عز وجل ان ينصر المجاهدين في فلسطين، وان يثبت اقدامهم، وان يقوي شوكتهم، وان يجمع كلمتهم، وان يسدد رميتهم، وان يضاعف حسنتهم، وان ينصرهم على من عاداهم، انه ارحم الراحمين واكرم الاكرمين.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبي بعده، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَآلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. اما بعد، ايها المسلمون، فاتقوا الله حق تقاته، وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (النور: 31). واعلموا، اخوتي في الله، ان الجهاد في سبيل الله وحمل السلاح في مواجهة اعداء الله هو الطريق لنيل الحريات، هو الطريق لتمكين الدين، هو الطريق لكف اذى الظالمين. وفي تاريخنا المعاصر تدل على هذا الاصل اخواننا في افغانستان، قاموا في مواجهة ثلاثة واربعين جيشا من الصليبيين والوثنيين ومن اعانهم من المنافقين ممن يدعون الاسلام، حرب دامت عشرين سنة من الفين وواحد الى الفين واحد وعشرين. ماذا كانت النتيجة؟ بعد هذا الصبر الطويل عشرين سنة، وقد نسيهم الناس، ما عادت وكالات الانباء تذيع اخبارهم، ولا المسلمون يقنتون من اجلهم، بل اسلموهم الى مصيرهم، ونسي الناس افغانستان وما يدور في افغانستان، اصابهم البأساء والضراء واللأواء، وامطرت الحمم، القنابل الذكية والقنابل الانشطارية التي ازالت جبالا عن اماكنها. لكن ماذا كانت النتيجة بعد هذا الصبر وتلك المصابرة والمرابطة بعد عشرين سنة؟ خرج الامريكان ومن كان في ذيلهم، خرجوا وهم يلعقون جراحهم، يجرون اذيال الهزيمة، مدحورين محقورين منبوذين، ولن يفكروا بعدها ابدا في ان يغزوا افغانستان.
هذا مثال. المثال الثاني: ما كان في سوريا، سوريا هذه التي ظلمت ثلاث عشرة سنة، ضربت، ضرب اهلها بالقنابل المحرمة، ضرب اهلها بالسلاح الكيماوي، هجروا، قتلوا، عذبوا، اوذوا، وصارت سوريا مسرحا للمجرمين من اقاصي الارض، الروس والامريكان والروافض، جاؤوا بكتائبهم من شذاذ الافاق من كل مكان، واستباحوا تلك البلاد الطيبة. لكن المجاهدين ما يأسوا من روح الله، ولا قنطوا من رحمة الله، اخذوا بما استطاعوا من الاسباب، فكان النصر حليفهم، والحمد لله رب العالمين. والمثال الثالث: السودان، تلك البلد المنسية، تآمر عليها الصليبيون والصهاينة، واستعملوا دويلة الشر من صهاينة، وانفقوا مليارات من الدولارات من اجل ان يطفئوا نور الله، واستباحوا البلاد في مبانيها، في اموالها، في رجالها، في نسائها، في اطفالها، اقاموا المذابح الجماعية، دفنوا بعض الناس احياء، عامان كاملان ورحى الحرب تدور في السودان بلا اخلاق، وما كان احد يسأل عنهم، ولا يلتفت اليهم، ولا تتناول وكالات الاخبار. لكن عصابات من المجاهدين الذين باعوا انفسهم لله، علموا ان هذا العالم الظالم لن ينفعهم بشيء، ولن يغضب لهم في شيء، ودم المسلم عندهم من دم البعوض، قام هؤلاء الشباب المجاهدون في القوات النظامية ومن اعانهم من كتائب الاسناد، ممن اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة، قاموا يجاهدون في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، وكانت النتيجة، والحمد لله، اسرع مما نتصور، ابطلت تلك المؤامرة، والحرب الان، باذن الله، نهاياتها، فضلا من الله ونعمة. وباذن الله يكون المثال الرابع: هؤلاء المجاهدون في غزة، هؤلاء الذين تنكرت لهم الدنيا.
اسأل الله عز وجل ان ينصرهم، وان يؤيدهم، وان يثبتهم، وان يقويهم، وان يربط على قلوبهم، وان يثبت اقدامهم، وان يحفظهم بما يحفظ به عباده الصالحين. اللَّهُمَّ يَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا خَيْرَ النَّاصِرِينَ وَيَا خَيْرَ الْمَسْؤُولِينَ، يَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ وَيَا خَيْرَ الْوَارِثِينَ، يَا إِلَهَنَا وَيَا سَيِّدَنَا وَيَا مَوْلَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نَزَلَ بِإِخْوَانِنَا فِي غَزَّةَ، وَأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَنَكَّرَتْ لَهُمْ، وَقَدْ مَكَرَ بِهِمْ أَهْلُ الْأَرْضِ، وَغَفَلَ عَنْهُمْ إِخْوَانُهُمْ. اللَّهُمَّ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ، مَا بَقِيَ لِأَهْلِ غَزَّةَ سِوَاكَ. اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ نَاصِرًا وَمُعِينًا، آمِينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ، آمِينَ. اللَّهُمَّ احْفَظْهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَمِنْ فَوْقِهِمْ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ يُغْتَالُوا مِنْ تَحْتِهِمْ. اللَّهُمَّ مَنْ مَكَرَ بِهِمْ فَامْكُرْ بِهِمْ، وَمَنْ كَادَ لَهُمْ فَكِدْهُمْ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ لَهُمْ نَصْرًا وَفَتْحًا قَرِيبًا وَصَبْرًا جَمِيلًا وَعَافِيَةً مِنَ الْبَلَايَا وَغِنًى عَنِ النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَا أَكْرَمَ الْأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ أَطْعِمْهُمْ مِنْ جُوعٍ، اللَّهُمَّ آمِنْهُمْ مِنْ خَوْفٍ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ نِيرَانَ أَعْدَائِهِمْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا. اللَّهُمَّ يَا مَنْ يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ، يَا مَنْ أَنْقَذَ إِبْرَاهِيمَ مِنَ النَّارِ، وَيَا مَنْ نَصَرَ نُوحًا بِالطُّوفَانِ، وَيَا مَنْ أَيَّدَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَلَائِكَتِهِ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَنْصُرَ إِخْوَانَنَا مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، وَأَنْ تَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، نَسْأَلُكَ أَنْ تَصُبَّ عَلَى أُولَئِكَ الصَّهَايِنَةِ صَوْبَ عَذَابٍ، اللَّهُمَّ أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، اللَّهُمَّ الْبِسْهُمْ شِيَعًا، اللَّهُمَّ أَذِقْ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِالْمُنَافِقِينَ مِنْ حُكَّامِ الْعَرَبِ، اللَّهُمَّ احْصِهِمْ عَدَدًا، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَأَرِنَا فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْحُكَّامَ بَأْسُهُمْ عَلَى شُعُوبِهِمْ، وَقُلُوبُهُمْ مَعَ أَعْدَاءِ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَرِنَا فِيهِمْ عَجَائِبَ قُدْرَتِكَ، أَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَأَرِنَا فِيهِمْ يَوْمًا كَيَوْمِ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأَبِي بْنِ خَلَفٍ، يَا مَنْ لَا يَعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ. هَذَا الدُّعَاءُ وَمِنْكَ الْإِجَابَةُ، وَهَذَا الْجَهْدُ وَعَلَيْكَ التَّكْلَانُ.