ترك واجبا أو اثنين في الحج
ما حكم من ترك واجباً أو واجبين من جنس واحد؟ هل يلزمه دم أم دمان؟ مثلاً ترك الرمي والمبيت، أو ترك الحلق والرمي، أو ترك رمى جمرة العقبة وأيام التشريق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما يجب على من ترك المبيت بمنى في أحد ليالي أيام التشريق الثلاثة؛ فذهب المالكية رحمهم الله إلى أنه يجب عليه دم؛ قال خليل في المختصر: وإن ترك جل ليلة فدم.ا.هــــــــــ وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب عليه في كل ليلة لم يبت فيها معظم الليل مد من طعام؛ فإن ترك المبيت في كل أيام التشريق كان عليه دم؛ قال النووي رحمه الله تعالى في المجموع: وإن ترك ليلتين فعلى الأصح يجب مدان.ا.هـــــ قال في الموسوعة الفقهية: وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ كُلِّهِ دَمًا وَاحِدًا، وَفِي تَرْكِ لَيْلَةٍ مُدًّا مِنَ الطَّعَامِ، وَفِي تَرْكِ لَيْلَتَيْنِ مُدَّيْنِ، إِذَا بَاتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً، إِلاَّ إِذَا تَرَكَ الْمَبِيتَ لِعُذْرٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، كَأَهْل سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، وَرِعَاءِ الإْبِل فَلَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ غَيْرِ دَمٍ، وَمِثْلُهُمْ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، أَوْ ضَيَاعِ مَرِيضٍ بِلاَ مُتَعَهِّدٍ، أَوْ مَوْتِ نَحْوِ قَرِيبٍ فِي غَيْبَتِهِ. اهــ.
وقد استبان بهذا أن المد أو الدم إنما هو في حق من لم يكن له عذر، أما من كان معذورا كمن قصد المبيت بمنى ثم تعطل به السير لشدة الزحام فلا شيء عليه، وكذلك لا شيء على من ترك المبيت لاشتغاله بخدمة الحجيج كالأطباء والممرضين ونحوهم، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
إن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص للعباس أن يبيت في مكة من أجل سقاية الحاج، وهذا عمل عام، وكذلك رخص للرعاة أن يتركوا المبيت بمنى … ويشبه هؤلاء من يترك المبيت لرعاية مصالح الناس كالأطباء، وجنود الإطفاء، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس عليهم مبيت، لأن الناس في حاجة إليهم، وأما من بهم عذر خاص كالمريض، والممرض له، وما أشبه ذلك، فهل يلحقون بهؤلاء؟ على قولين للعلماء: فمن العلماء من يقول: إنهم يلحقون؛ لوجود العذر. ومن العلماء من يقول: إنهم لا يلحقون؛ لأن عذر هؤلاء خاص، وعذر أولئك عام. والذي يظهر لي: أن أصحاب الأعذار يلحقون بهؤلاء… اهــ.
أما من ترك الرمي أيام التشريق فإنه يلزمه دم عند جمهور العلماء؛ جاء في الموسوعة الفقهية: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَوْ تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ تَرَكَ ثَلاَثَ حَصَيَاتٍ مِنْ رَمْيِ أَيِّ جَمْرَةٍ…. اهــ.