حكم شرب ماء المحاية بغرض الإستشفاء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فمما لا شك فيه أن الله تعالى جعل في القرآن الكريم شفاء وهدى ورحمة؛ كما قال سبحانه )وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين( وقال سبحانه )قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء( وقال سبحانه )يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين( وما زال المسلمون قديماً وحديثاً يستشفون بالقرآن ويرجون بركته في إذهاب الأمراض حسية بدنية – كالصداع ووجع البطن – ومعنوية قلبية – كالشك والوسواس والحقد وما أشبه ذلك
ومن صور الاستشفاء بالقرآن أن يكتب بشيء طاهر – كالزعفران ونحوه – على شيء نظيف – كصحن أو قرطاس – ثم يغسل بالماء، وتُشرب تلك الغسالة؛ وهو ما يسميه علماؤنا بالمحو، ويسميه الناس – بلسانهم – المحاية، وقد فعله كثير من السلف والخلف، وهو داخل في عموم الرقية التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم {لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا} قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد (4/156): ورأى جماعة من السلف أن تكتب له الآيات من القرآن ثم يشربها. قال مجاهد: لا بأس أن يُكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة، ويُذكر عن ابن عباس: أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولدها أثر من القرآن ثم يغسل وتسقى. وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتب كتاباً من القرآن ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع.ا.ه
وقال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) (16/222): وقال ابن عباس: إذا عسر على المرأة ولدها تكتب هاتين الآيتين والكلمتين في صحيفة ثم تغسل وتسقى منها، وهي: {بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلا الله العظيم الحليم الكريم، سبحان الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم” )كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها( )كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون(
فلا حرج في كتابة القرآن وشرب غسالته شريطة أن تكون المادة التي يكتب بها غير سامة ولا ضارة؛ ومتى ما ثبت ضررها حرم استعمالها؛ لأن التحريم يدور مع الضرر؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار}
والواجب أن تكون هذه الغسالة في مكان نظيف لا في حوض متسخ؛ لأن القرآن الكريم من أجلِّ الشعائر التي أمرنا بتعظيمها؛ قال تعالى )ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب( وقال سبحانه )ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه( والعلم عند الله تعالى.