قضاء الفوائت
في بعض الأحيان تفوتني صلاة المغرب ويدخل وقت العشاء ويقيم الإمام الصلاة فهل أصلي العشاء ثم المغرب أو العكس؟ وجزاكم الله خيرا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع المسلمون على وجوب قضاء ما فات من الصلاة: نسياناً، أو نوماً، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من نسي صلاة أو نام عنها فليصل إذا ذكرها” رواه مسلم وكذلك إن تركها عمداً على مذهب الجمهور. وعليه فإن قضاء الصلاتين واجب على الفور حسب الاستطاعة في أي ساعة من ليل أو نهار، مع مراعاة الترتيب بين الفوائت، أملاً في استدراك ما فات قبل حلول الأجل. وفي هذه الصورة ينبغي صلاة الفرضين قبل صلاة العشاء للخروج من الخلاف؛ وإلا ففي أقرب وقت. وأما تأخير العصر أو غيرها من الصلوات المفروضة لوقتها من اليوم القابل فلا يجوز، لما فيه من عدم المسارعة. والإخلال بالترتيب
فإن قضاء الفوائت يجب أن يكون على الفور، وأن تكون مرتبة كما فرضها الله سبحانه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صلوا كما رأيتموني أصلي” رواه البخاري.
ولم يصلها الرسول صلى الله عليه وسلم إلا مرتبة فكان الترتيب واجباً، لكن إن لم تتمكن من صلاة المغرب قبل أن تقام صلاة العشاء، فادخل مع الجماعة في صلاة العشاء بنية صلاة المغرب، فإذا جاءت الركعة الرابعة من العشاء فلا تقم للرابعة، وانتظر حتى يجلس الإمام بعد انتهائك من الركعة الثالثة وسلم معه.لأن الأدلة الشرعية قد دلت على أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم لا يؤثر. وبهذا تكون قد حافظت على الترتيب، وأدركت فضيلة الجماعة.
أما إذا ضاق وقت الصلاة الحاضرة، بحيث لم يبق من وقتها إلا مقدار ما تؤدى فيه، فيجب تقديم الحاضرة، لأن الترتيب هنا يفضي إلى تأخير الصلاة عن وقتها. وهذا لا يجوز.
ومما يدل على وجوب الترتيب أيضاً، ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم “أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن الفرائض يوم الأحزاب فصلاها مرتبة بعد غروب الشمس” كما نوصيك بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها.
من ذكر صلاة فائتة أثناء صلاته، فإنه يتم الصلاة الحاضرة، ثم يصلي الفائتة، ولا يقضي الحاضرة التي قد صلى على الراجح من قولي أهل العلم، إذ حكم ذلك حكم من تذكر الفائتة قبل الشروع في الحاضرة.
قال ابن تيمية: ” ومن فاتته الظهر وحضرت جماعة العصر ، فإنه يصلي العصر ، ثم يصلي الظهر ، ثم هل يعيد العصر؟ فيه قولان للصحابة والعلماء: أحدهما يعيدها ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، ومالك ، والمشهور من مذهب أحمد.
والثاني: لا يعيد، وهو قول ابن عباس، ومذهب الشافعي، واختيار جدي. ومتى ذكر الفائتة في أثناء الصلاة كان كما لو ذكر قبل الشروع فيها، ولو لم يذكر الفائتة حتى فرغت الحاضرة، تجزئه عند جمهور العلماء، كأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد، وأما مالك فغالب ظني أنها لا تصح. والله أعلم” انتهى.
تنبيه: ما قاله شيخ الإسلام هنا بالنسبة لمذهب مالك فيه إجمال ، وبيانه أن المعروف من مذهب مالك هو التفريق بين الحاضرتين (مشتركتي الوقت) وبين الحاضرة ويسير الفوائت ، فالترتيب بين الحاضرتين واجب وجوباً مشترطاً إذا كان في الوقت متسع لهما معاً ، فمن صلى العصر قبل الظهر في وقت يمكنه فيه أن يصليها هي والظهر قبل الغروب فإنه يجب عليه أن يعيد صلاة العصر مرة أخرى ليتم الترتيب. أما من صلى العصر قبل الظهر في وقت لم يبق فيه دون الغروب إلا القدر الذي يسع العصر فقط فإنه قد أثم بترك الترتيب ، ولا تجب عليه الإعادة ، فالصلاة صحيحة مع الإثم ، وهذا كله في الترتيب بين الحاضرتين (مشتركتي الوقت) -كما تقدم-
أما ترتيب الحاضرة مع يسير الفوائت – ولو كان واحدة- فإنه واجب وجوباً غير مشترط، فمن أراد أن يصلي المغرب وهو لم يصل العصر ، فالواجب عليه البدء بالعصر ، ولكنه لو أخل بهذا الواجب فإن فعله صحيح ، ولا يلزمه أن يعيد المغرب بعد صلاته للعصر. هذا هو مذهب مالك في هذه المسألة ، وذكرناه بهذا التفصيل لبيان ما في كلام شيخ الإسلام مما يحتاج لبيان.