العقيدة

وجوب تعظيم شعائر الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فقد دلت النصوص الشرعية على وجوب تعظيم شعائر الله عز وجل باختلاف أنواعها؛ فقال سبحانه {ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} وقال جل جلالـه {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسـلم في ذلك مبلغاً عظيماً لكونه أتقى الناس وأخشاهم لله تعالى؛ فكان يكره أن يذكر اسم الله تعالى إلا على طهارة؛ حيث روى أبو داود من حديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسـلم وهو يبول؛ فسلم عليه فلم يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال “إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر” وكذلك الصحابة رضي الله عنهم فقد روى البيهقي أن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه كان يضع المصحف على عينه ويقول: كلام ربي.. وعليه فإن الواجب على المسلمين الحرص على تعظيم شعائر الله عز وجل ومن نماذج ذلك:

بتعظيم حرمة كتاب الله تعالى فلا يمس على غير طهارة، ولا يحمل باليد اليسرى، ولا تقلب صفحاته باستعمال الريق لكونه مستقذرا، ولا يوضع فوقه شيء، ولا يوضع على الأرض وإن كانت طاهرة، وما اهترأ من صفحاته فإنه يحرق، ولا يجوز إلقاؤها في المزابل أو مجتمعات القمامة

بتعظيم أسماء الله الحسنى وأسماء الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين

بتعظيم بيوت الله عز وجل فلا يدخلها جنب ولا حائض، ولا يجلس الداخل إليها إلا بعد صلاة ركعتين، وصونها عن الروائح الكريهة، وعن البيع والشراء ونشدان الضالة، ومنع ما يشوش على المصلين والذاكرين

بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسـلم وسائر المرسلين، بالاقتداء بهديهم والتعرف على سيرهم، ولا يذكرون إلا بما يفيد تعظيمهم وتوقيرهم

وعليه فإنه لا يجوز للمسلم إلقاء الأوراق والصحف والمجلات التي تحتوي على آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو على أسماء الله تعالى أو أسماء المرسلين، ولا يجوز استعمالها كسفرة طعام أو لتغليف المأكولات أو غيرها، ومن باب أولى امتهانها بأن تتخذ لمسح الأحذية أو الأثاثات أو غيرها؛ ومن فعل ذلك متعمداً عالماً فقد عمل عملاً من أعمال الكفر، ومن رآها في مكان قذر ولم يرفعها منه أو يضعها في مكان نظيف فإنه يأثم إن كان قادراً لأن الدوام كالابتداء، وإذا علم أن فيها آية من القرآن أو حديثاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتركها في مكان القذر فقد نص بعض العلماء على كفره

ولا بد في هذا المقام من تقرير قاعدة مهمة وهي أن الكفر لا يحصل إلا بتعمد الفعل المكفر، قال الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى في روضة الطالبين حين بيان أحكام الردة وما يتصل بها: هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارةً بالقول الذي هو كفرٌ، وتارةً بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمُّد واستهزاءٍ بالدِّين صريح، كالسُّجود للصَّنم, أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ وقال أحمد الدردير رحمه الله تعالى في شرحه على مختصر خليل في بيان أمور الردة: (كإلقاء مصحف بقذر) ولو طاهراً، كبصاق، أو تلطيخه به، والمراد بالمصحف: ما فيه قرآن ولو كلمة، ومثل ذلك تركه به، أي عدم رفعه إن وجده به، لأن الدوام كالابتداء.. ومثل القرآن أسماء الله وأسماء الأنبياء، وكذا الحديث، كما هو ظاهر. ا.هــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إذا تقرر هذا فالجواب على الأسئلة الواردة يكون ببيان جملة من الأمور:
أولها: أن الواجب على المسلمين تعظيم كل ما فيه شيء من القرآن أو أسماء الله تعالى أو أسماء أنبيائه ورسله وملائكته صلوات الله وسلامه عليهم، وعلى ولاة الأمر من العلماء والمحافظين ورؤساء البلديات والمحليات التعاون في ذلك مع جهات الاختصاص الأخرى وذلك بنشر الوعي وبث الثقافة الشرعية، وعقوبة من يتهاون بهذا الأمر عقوبة بليغة تكون رادعة له وزاجرة لغيره.
ثانيها: على من وجد شيئاً من تلك الأوراق أن يرفعها ويصونها أو يتخلص منها بإحراقها أو دفنها أو فرمها بحيث لا يبقى فيها شيء من تلك النصوص أو الأسماء، كما فعل عثمان رضي الله عنه حين أمر بحرق المصاحف بعد نسخها، وروي الحرق كذلك عن بعض السلف كطاوس وعروة بن الزبير رحمهم الله جميعاً، وذلك كله مقيد بالاستطاعة؛ لقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} وقول النبي صلى الله عليه وسـلم “ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم” ومن لم يفعل ذلك جاهلاً أو عاجزاً فإنه لا يحكم عليه بكفر ولا ردة؛ وقد علمنا ربنا سبحانه أن ندعوه قائلين {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسـلم أن الله تعالى قال: قد فعلت.
ثالثها: لا يجب على السائر في الطريق تتبع الأوراق وجمعها للتأكد من عدم وجود تلك النصوص أو الأسماء فيها؛ لما في ذلك من الحرج والمشقة المنفية عن الشريعة، وقد قال سبحانه {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} وقال {وما جعل عليكم في الدين من حرج}   وقال النبي صلى الله عليه وسـلم “إن أحب الدين إلى الله أيسره” وقال “إن هذا الدين يسر” وقال “يسروا ولا تعسروا”
رابعها: أسماء الأشخاص المجردة كمن تسمى محمداً أو مالكاً أو صالحاً لا يسري عليها هذا الحكم؛ بل المراد ما دلت القرائن على أن المقصود به هو الله رب العالمين أو واحداً من المرسلين أو الملائكة المقربين؛ ففي حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ويكره الاستنجاء بيد فيها خاتم فيه اسم الله، أو اسم نبي، قال: وقوله: اسم نبي، اي مقرون بما يعينه كالصلاة والسلام، لا مجرد الاشتراك.ا.هـــــــــــــــــــــــــــــــ وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى في فتاواه: فإن القرآن وكل اسم معظم، كاسم الله, أو اسم نبي له، يجب احترامه وتوقيره وتعظيمه, والمقصود بأسماء الأنبياء: ما يفهم منه أنه لنبي، بحيث يقرن به من العبارات ما يفهم أنه لنبي، كمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عيسى عليه الصلاة والسلام، أو موسى كليم الله, ونحو ذلك، أما مجرد اسم محمد, أو عيسى, أو موسى، فلا يأخذ هذا الحكم. ا.هـــــــــــــــــــــــــ

خامسها: ليس في الشرع دليل على ما ذكر من أنه إذا تعرض أي اسم من أسماء الله تعالى للإهانة في الأرض فإن الله يرفع معناه، مثلاً اسم السلام عندما يهان أو يدنس فإن الله يرفع معناه فتكون الحرب وعدم الأمن وهكذا‼ فمثل هذا القول ما ينبغي إطلاقه إلا بدليل يمكن الركون إليه؛ والأصل أن الله تعالى يعامل عباده بفضله ورحمته لا بمجرد عدله وقد قال سبحانه {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة} وقال {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}

سادسها: قوله صلى الله عليه وسـلم لعبد الله بن عباس “احفظ الله يحفظك” قد قال أهل العلم في بيان معناه: كن مطيعاً لربك مؤتمراً بأوامره منتهياً عن نواهيه؛ يعني: احفظ حدودَه، وحقوقَه، وأوامرَه، ونواهيَه، وحفظُ ذلك هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتنابِ، وعندَ حدوده، فلا يتجاوزُ ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك، فهو مِنَ الحافظين لحدود الله الذين مدحهمُ الله في كتابه، وقال عز وجل {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامرِ الله، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها.ا.هـــــــ ولا شك أن من حفظ حقوق الله تعالى وحقوقه حفظ أسمائه الحسنى وآياته العظمى من الإهانة والتدنيس.

سابعها: الكلام في الحمام حال قضاء الحاجة أقل أحواله الكراهة، وقد نهي عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسـلم؛ ففي سنن أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «لاَ يَخْرُجُ الرَّجُلاَنِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ» فيكره الكلام عند قضاء الحاجة إلا لأمر مهم، كطلب مزيل للأذى أو التحدث مع الزوج، وقد مثل بعضهم لذلك فقال:
من المهم طلب المزيل          كذا كلامك مع الحليل
قال في تبيين المسالك: أما إذا كان الكلام لإنقاذ أعمى من نار أو نحو ذلك فإنه يجب.ا.هــــ وعليه فمن اضطر لمناداة شخص فلا حرج عليه ولو كان اسمه عبد الله أو عبد الرحمن ونحوهما، والعلم عند الله تعالى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى