خطبة الجمعة 1/5/2015 – إسم الله السلام
خطبة يوم الجمعة 13/7/1436 الموافق 1/5/2015
1- قد شاع بين الناس من غير المسلمين أن دين الإسلام دين عنف وإرهاب وتسلط وإكراه، وأن المسلمين قوم تواقون إلى شن الحروب وسفك الدماء، حريصون على ترويع الآمنين وإخافة الإبرياء، وذلك الاعتقاد شاع بأثر الآلة الإعلامية الضخمة الفعالة التي سخَّرها أعداء الإسلام للصدِّ عن سبيل الله، وساعد على ذلك تصرفات بعض المسلمين ممن لا يمثلون الإسلام ولا المسلمين، ممن غلبت عليهم شقوتهم وصدق فيهم قول ربنا جل جـلاله {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} وقوله جلَّ جـلاله {أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضلُّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهبْ نفسك عليهم حسراتٍ إن الله عليم بما يصنعون}
2- أيها المسلمون عباد الله: إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، ومن هذه الأسماء التي قرأناها في القرآن اسم الله السلام {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن} فالله هو السلام، والجنة هي دار السلام، {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} {لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون} وتحية الإسلام السلام، {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} وإذا جلس المسلم في صلاته قبل سلامه قال “السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين” وشعار الخروج من الصلاة السلام، “مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم” وذكر الله بعد الصلاة “اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام” بل السلام هي جائزة ربنا لمن اهتدى {والسلام على من اتبع الهدى} معناه أن من اتبع هدى الله سلم من عذابه وسخطه. وإذا قال المسلم للمسلم: السلام عليكم؛ فكأنه يخبره بالسلامة من جانبه ويؤمِّنه من شره وغائلته، وأنه سلم له لا حرب عليه، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى الهلال قال: «اللهمّ أهلّه علينا باليمن والإيمان، والسّلامة والإسلام، ربّي وربّك الله»
والسلام هو تحية الملائكة لعباد الله المؤمنين في الدنيا {ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام} {إذ دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون}
3- معنى هذا الاسم الحسن في حقه تعالى كما قال ابن كثير رحمه الله: السلامة من جميع العيوب والنقائص لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله[1] وقال البيهقي: السلام هو الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفة، وهذه صفة يستحقها بذاته، وقيل: هو الذي سلم المسلمون من عقوبته[2] وقال ابن العربي: معناه ذو السلام أي المسلِّم على عباده في الجنة؛ كما قال {سلام قولاً من رب رحيم} وقيل: الذي سلم الخلق من ظلمه[3] وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: الله هو السلام الحق من كل وجه، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من الكفء والنظير، والسمي والمماثل والشريك، وكل صفة من صفاته سلام مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت والسنة والنوم، وقيوميته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب الشيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وكلماته سلام من الكذب والظلم، وملكه سلام من منازع فيه أو مشارك أو معاون أو شافع عنده بدون إذنه
4- من آثار الإيمان بهذا الاسم:
- الله سبحانه وتعالى هو السلام أي السالم من كل عيب ونقص وآفة؛ فمعناه قريب من القدوس، والبشر لا يسلم أحد منهم من النقص، وكمال من كمل منهم كالرسل والأنبياء كمال نسبي، أي بالنسبة إلى غيرهم من البشر
- الله جل جـلاله هو المسلِّم على عباده وأوليائه في الجنة {خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام} {تحيتهم يوم يلقونه سلام}
- الله تعالى هو المسلِّم على أنبيائه ورسله؛ لإيمانهم وإحسانهم وطاعتهم له {سلام على نوح في العالمين} {سلام على إبراهيم} {سلام على موسى وهارون} {سلام على إل ياسين} {وسلام على المرسلين} {قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى} قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى: أوحش ما تكون الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجاً مما كان، ويوم يموت فيرى قوماً لم يكن عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى فخصه بالسلام فقال {وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا}[4] وكذا عباد الله المؤمنون فإن الملائكة تسلم عليهم عند قبض أرواحهم وتطمئنهم وتؤمنهم {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون}
- الأمر بإفشاء هذا الاسم وأنه سبب في دخول الجنة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسـلم قال “لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم” رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: وفيه الحث العظيم على إفشاء السلام وبذله للمسلمين كلهم من عرفت ومن لم تعرف. قال: والسلام أول أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، وفي إفشائه تمكن ألفة المسلمين بعضهم لبعض وإظهار شعارهم المميز لهم عن غيرهم من أهل الملل، مع ما فيه من رياضة النفس، ولزوم التواضع، وإعظام حرمات المسلمين[5]
- الاعتقاد واليقين بأن من أراد الأمن والسلام سواء في نفسه أو في بيته أو في مجتمعه فإنه لا يكون إلا في الإيمان بالله عز وجل والأنس به والالتزام بأحكامه وشريعته التي كلها أمن وسلام على الفرد والأسرة والمجتمع
- السلامة الحقيقة لا تكون لأحد من عباده إلا في الجنة، إذ فيها بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وصحة بلا سقم، كما قال ربنا جل جـلاله {لهم دار السلام عند ربهم} وقال {والله يدعو إلى دار السلام}
5- كيف يحقق العباد السلام لأنفسهم؟
- السلام في الحياة الأسرية بحسن المعاشرة وطيب المعاملة في طلاقة الوجه وإفشاء السلام ولين الكلام، مع الإنفاق على الأهل والعيال ورحمة الصغير وتوقير الكبير
- السلام في الحياة الاجتماعية بأن يسلم الناس من شرِّك أيها المسلم؛ فكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك، وأن يسمع الناس منك سلاما {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}
- السلام بين الناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم؛ فمن أظهر لنا السلام سالمناه {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا} {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله} وذلك بعد قوله سبحانه {وأعدوا} وقوله {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله} وقوله سبحانه {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم}
6- المثل التطبيقي من حياة النبي صلى الله عليه وسـلم:
يقول الدكتور جعفر شيخ إدريس حفظه الله تعالى: لما وادع النبي صلى الله عليه وسـلم كفار مكة في الحديبية وكان في طريق العودة إلى المدينة نزلت عليه سورة الفتح؛ وقد سأله رجل مستغرباً: يا رسول الله، أوَ فتح هو؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم مؤكداً: إي، والذي نفسي بيده إنه لفتح. قال الزهري رحمه الله تعالى: فما فُتِحَ في الإسلام فتح قبله كان أعظم من فتح الحديبية، إنما كان القتال حيث التقى الناس. ولما كانت الهدنة، ووضعت الحرب أوزارها، وأمن الناس كلّم بعضهم بعضاً، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يُكلّم أحد بالإسلام يعقل شيئاً في تلك المدة إلا دخل فيه، ولقد دخل في تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر.
قال ابن حجر مؤيداً الزهري: فإن الناس لأجل الأمن الذي وقع بينهم اختلط بعضهم ببعض من غير نكير، وأسمع المسلمون المشركين القرآن، وناظروهم على الإسلام، جهرة آمنين، وكانوا قبل ذلك لا يتكلمون عندهم بذلك إلا خفية.
وقال ابن هشام أيضاً مؤيداً للزهري: ويدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج بعد سنتين إلى فتح مكة في عشرة آلاف.
ما مناسبة هذا لواقعنا؟ مناسبته أن الدعاة إذا وجدوا أنفسهم في حال كهذه الحال فينبغي عليهم أن يحافظوا عليها، بل ينبغي عليهم أن يسعوا لأن تكون حالهم مع من يدعوهم مثل هذه الحال، وأن يبيِّنوا لهم بإخلاص أن القتال والعنف ليس هدفاً من أهدافهم، بل إن كل ما يريدونه هو أن يُعْطَوْا حرية الدعوة إلى دين يرونه حقاً ويرون فيه مصلحة للمدعوين دينية ودنيوية.
وهم حين يفعلون هذا سيكونون مقتفين سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، انظر إلى الكلمات الرقيقة الحازمة التي خاطب بها قريشاً، والتي كانت من أسباب عقد الهدنة، قال لهم صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم؛ فإن شاؤوا ماددناهم مدة ويخلّوا بيني وبين الناس، فإن أظهرْ فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جمّوا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن الله أمره).
يبدو لي أن الحال في كثير من البلاد الديمقراطية ولا سيما الغربية شبيه إلى حد كبير بحال المسلمين مع المشركين في سنتي الهدنة، فهي حال يستطيع فيها الدعاة الاختلاط بغير المسلمين، ودعوتهم ومجادلتهم؛ بل قد ثبت بالتجربة في بلد كالولايات المتحدة أن عدد الداخلين في الإسلام في ازدياد مطرد بسبب هذا الجو السلمي.
وعلى الدعاة في تلك البلاد إذن أن يحافظوا على هذا الجو السلمي حتى لو كانوا في مثل قوة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين عقدوا صلح الحديبية، فكيف وهم في حال ضعف؟ إن أكثر ما يحرص عليه أعداء الإسلام في الغرب هو أن يصوروا المسلمين على أنهم وحوش إرهابية لا غاية لها إلا تحطيم الحضارة الغربية، وقد استغلوا وسائل الإعلام لإبراز هذه الصورة للمسلمين ونجحوا في ذلك إلى حد ما.
ولا يفرح هؤلاء بشيء فرحهم بتصريحات يطلقها إنسان أهوج يدعو فيها إلى العنف أو القتال في داخل تلك البلاد؛ لأنها تصدق دعواهم تلك، وتساعد على تنفير الناس من الدعاة المسلمين؛ لأنهم يعلمون أن الذي يرى فيك خطراً على نفسه وأهله لن يستمع إليك ولن يثق فيما تقول.
لقد أُمروا آنذاك بأن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة ، فلما هاجروا وتميزوا وصارت لهم أرضهم أُذن لهم في القتال ثم أُمروا به.
ومما يوجب الحرص على هذا الجو السلمي المساعد على نشر الإسلام في الغرب أنه في تقديري لن يدوم.
إن الدول الديمقراطية تبيح الحرية ما دام المخالفون أقلية لا خطر منها على العلمانية، أما إذا نما عددهم ورأوا فيه تهديداً للنظام العلماني فإنهم قطعاً سيضحون بالديمقراطية من أجل المحافظة على العلمانية.
[1] تفسير القرآن العظيم 4/343
[2] الاعتقاد 55
[3] الجامع لأحكام القرآن 18/46
[4] أخرجه الخطابي في شأن الدعاء/42
[5] شرح النووي على مسلم 2/36