خطبة الجمعة 9/6/2017 – أخطاء الصائمين
خطبة يوم الجمعة 14/9/1438 الموافق 9/6/2017
1 الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا بفضله ورحمته خير أمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، من توحد بجلال ملكوته، وتفرد بجمال جبروته، أتقن ما صنع وأحكمه، وأحصى كل شيء وعلمه، وخلق الإنسان وعلَّمه، ورفع قدر العلم وعظَّمه، ومنعه من استرذله وحرمه، وخص به من خلقه من كرَّمه، فسبحانه من إله أذهل العقول عن الوصول إلى كنه ذاته الأبدية، وأدهش الخواطر عن الإحاطة بجليل صفاته السرمدية، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، خاتم الأنبياء وسيد الأصفياء، وصفوة الأولياء، وإمام العلماء، وأكرم من مشى تحت أديم السماء، صلِّ اللهم وسلم وبارك عليه في كل ساعة ولحظة وحين على دوام الأبد، ما لا يدخل تحت الحصر والعدد، ولا ينقطع عنه المدد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، والصحابة الكرام الميامين، والتابعين لهم بأحسن إلى يوم الدين، صلاة وسلاماً تامين لا يعتريهما انصرام، دائمين بإحسان على ممر الدهور والأيام، أما بعد
1/ من أخطاء الصائمين سوء الخلق؛ فإن كثيراً من الصائمين يصبح عنده سوء في خلقه بسبب امتناعه عن الأكل والشرب، فيغلظ على أهله ويقسو عليهم، وكذلك إن كان موظفاً يغلظ ويقسو على من يليه، ويعاملهم بأسلوبٍ فظٍ غليظ، ويستخدم ألفاظاً نابية لا تليق. والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا، كما في الحديث المتفق عليه: (الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم) فأرشدك إذا كنت صائماً إذا سبك أحدٌ أو شتمك ألا ترد عليه، بل تقول له: إني صائم. فما بال بعض الناس إذا صاموا عكسوا القضية، فربما يكون الواحد منهم في غير الصوم هادئاً وديعاً خلوقاً، لكن إذا صام اشتدت أعصابه وتوترت، وأصبح يرمي بالعبارات النابية الغليظة هنا وهناك، لأهله وأولاده وجيرانه وزملائه إلى غير ذلك.
2/ إن بعضهم يتخذ رمضان فرصةً للكسل والخمول ويحتج بأنه صائم؛ ونحن نجد أن المسلمين الأُول كانوا عكس ذلك، فكثير من المعارك الإسلامية الشهيرة كانت في رمضان، ولم يكن الصيام فرصةً للنوم، وبعضهم يحتجون في ذلك بأحاديث ضعيفة مثل: (نوم الصائم عبادة) ولو فرض أنه صحيح فإنه لا يدل على ما ذهبوا إليه، فالحقيقة أن الصائم ينبغي أن يعود نفسه على النشاط والإقدام والقيام بالأعمال الصالحة.
3/ المبالغة في تناول الأطعمة؛ فإننا نجد أن كثيراً من الناس يستعدون لاستقبال رمضان بألوان المطعومات والمشروبات، ويعدون لسحورهم وفطورهم وعشائهم، من أطايب الطعام ما لا يعرفه الناس في غير رمضان، وهذا لا شك أنه يتنافى مع الحكمة الأساسية من مشروعية الصيام، ولذلك تعجبني كلمة ذكرها أحد المصنفين وهو يوبخ الناس، فيقول لهم: “إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون بالليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال” وهذا في الواقع حكاية الحال التي يعيشها كثير من الجهال فالإنسان عليه أن يكون مقتصداً في أكله وشربه في رمضان.
4/ من ذلك أن كثيراً من الناس يقبلون على العبادة في أول رمضان ثم يدعونها في آخره، بل من المؤسف جداً أن المساجد تمتلئ في وقت المغرب خاصةً، ثم يقلون حتى إن آخر رمضان يصبح مثل غيره من الشهور تقريباً، وهذا أمر خطير ويجب على الأئمة والدعاة والوعاظ أن ينبهوا الناس إليه، ويستغلوا فرصة خروجهم من بيوتهم ومخابئهم إلى المسجد؛ لينبهوهم إلى خطورة مثل هذا العمل وفداحة أمر التهاون بالصلاة، التي قال عنها الرسول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) فمن الأخطاء أن بعض الناس لا يعرفون الله إلا في رمضان، ويهجرون العبادات في غير هذا الشهر الكريم.
5/ أن بعض الناس يصومون عما أحل الله ويفطرون على ما حرم الله، فيصومون عن الأكل والشرب والجماع، لكنهم يرتكبون أشياء محرمةً، مثل الغيبة والنميمة وشهادة الزور والكذب، والسب والشتم وغيرها من المحرمات، سواء أكانت قوليةً أم فعلية.
وهذا لا شك أنه انتكاس في مفهوم الصيام؛ لأن الصوم تربية، وليس من المعقول أن يربيك الله تعالى على ترك بعض المباح، ثم تذهب لترتكب أشياءً محرمةً في الصوم. ولذلك ذهب بعضهم إلى أنه يفطر بذلك؛ لكن الصحيح أنه لا يفطر بذلك، والحديث الوارد في هذا ضعيف، وهو قصة المرأتين اللتين غلبهما الصيام فجيء بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما: (قيئا) فقاءتا قيحاً ودماً عبيطاً، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن هاتين أفطرتا على ما حرم الله وصامتا عما أحل الله) هذا الحديث لا يصح، وقد احتج به ابن حزم وغيره على أن الغيبة والنميمة تفطر وهو حديث ضعيف
6/ ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس، خاصةً المتحدثين عن الصيام: أنهم يركزون في حديثهم على الفوائد الدنيوية للصوم، فيتكلمون -مثلاً- عن أثر الصوم في حفظ الصحة، ويأتون بالحديث الضعيف: (صوموا تصحوا) أو أثر الصيام في حفظ الجسم وفي الحمية، أو أثر الصيام في تحقيق سعادة دنيوية، وينسون ضرورة تنبيه الناس إلى أثر الصيام في الدار الآخرة، وضرورة أن يعلم الناس أن الصوم عبادة، سواء أكانت تضرك أم تنفعك، فأنت ينبغي أن تصوم حتى لو فرض جدلاً أن الصوم يضرك، فتصوم طاعةً لله جل وعلا.
ولذلك إذا كان الإنسان يخوض المعركة وقد تذهب روحه في سبيل الله تعالى ولا يفطر؛ لأن هذه طاعة وعبادة وقربة، فليس المقصود أن الإنسان يصوم حتى يصح جسمه، أو يسلم من الأمراض والآفات والعاهات، أو يحصل على سعادة عاجلة، وإن كانت هذه الأمور كلها تأتي تبعاً، لكنه يصوم طاعة لله عز وجل.