خطب الجمعة

ألا هل بلّغت؟

خطبة يوم الجمعة 3/12/1438 الموافق 25/8/2017

خطبة يوم الجمعة 3/12/1438 الموافق 25/8/2017

ماذا يعني التطبيع في عرف اليهود والأمريكان والساسة العرب؟ وهل هو منطبق على معنى الصلح الشرعي؟ وما معناه من خلال واقع ثلاث معاهدات تمت مع اليهود (مع السلطة الفلسطينية ومصر والأردن) إذا عرفنا ذلك أمكن تصور معالم هذا التطبيع الجديد، والصلح العصري والتطبيع يعني تمكين اليهود من أرض إسلامية، وعلى رقاب شعب مسلم، ووجود سفارات وبعثات دبلوماسية ــ ولا يخفى أن هذه تتحول إلى أوكار للجاسوسية ــ ووجود شركات اقتصادية وملاحق عسكرية وثقافية وفنانين، وتعني تطبيعاً سياحياً لاستجلاب اليهود يؤدي إلى إنشاء فنادق ومطاعم وبنوك ومراقص ومسارح وفن. وزيارة اليهود للمدينة لإقامة مهرجانات أعيادهم وزيارتهم لآثار أجدادهم وهذا هو الذي ينادون به وهو الذي حصل في الدول التي قبلت التطبيع المزعوم مع اليهود، فاسأل به خبيرا، واسأل شعوبها ماذا حصل؟ ففيهم لنا عبرة فاعتبروا يا أولى الأبصار.
ويؤدي إلى ضياع المناهج التعليمية مع التطبيع، وضياع عقيدة البراءة في تلك المناهج من الكفار عموما ومن اليهود خصوصا.

ويقصدون بالتطبيع الكامل إقامة علاقات تجارية وسياحية ودبلوماسية وثقافية وتاريخية طبق قرارات هيئة الأمم المتحدة، وليس طبق قرارات القرآن والسنة. هذا هو معنى الصلح عندهم. وبذلك نعرف أنه يعني الاستسلام للكفار وعلو شأنهم وإضاعة للدين وللأراضي الإسلامية

أما معنى الصلح الشرعي المجمع عليه فهو: الصلح مع الكفار إن دعت المصلحة على وضع الحرب مدة معلومة إن كان عقداً لازماً، أو مدة مطلقة إن كان عقداً جائزاً ممكن الفسخ وقت الحاجة، هذا هو حدود الصلح الشرعي بالإجماع، أما المصالحة المتضمنة تنازلات عقدية وإلغاء لأحكام شرعية فهذا صلح باطل شرعا بالإجماع ولا يجوز، وليس هو صلحاً مسموحاً به شرعاً بل حقيقته استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وشرائعها، وهذا لم يحصل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن اعتقد أن ذلك حدث من الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد.

ثانيا: أدلة التحريم والمنع من الكتاب والسنة والإجماع وباعتبار المفاسد والمآل
إذا عرفنا ذلك فإن التطبيع مع اليهود محرم شرعا، ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن يعقده بتلك الصورة، وإذا وقع كذلك فإنه يقع صلحاً باطلاً. أما الأدلة على ذلك:

1/ قال تعالى {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} وهذا التطبيع يعطل هذه الآية

2/ ويضاد قوله تعالى {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} وإذا كان الله أوجب القتال لإنقاذ المستضعفين فكيف نصالحهم صلحا يمكنهم من المستضعفين من المسلمين وهذا مما يتضمنه التطبيع

3/ قال تعالى {وإن نقضوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم} فأمر بمقاتلة الناقض والطاعن في الدين ، فكيف نعقد معهم ما يسمونه صلحاً في الوقت الذي يحرم عقده كما في الآيات السابقة

4/ قال تعالى {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}

5/ ويضاد مقاصد الجهاد الشرعي الثابت في الكتاب والسنة والإجماع

6/ وهو صلح باطل لما فيه من الشروط الباطلة المضادة للإسلام، وقد جاء في حديث عائشة مرفوعا (ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) متفق عليه. ففيه من الشروط الاعتراف بالكيان اليهودي، وإلغاء الجهاد وأمثال ذلك

7/ ويضاد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب وبالصلح المزعوم اليوم أدخلوا اليهود والنصارى إلى جزيرة العرب

8/ ويضاد حديث (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) رواه الشيخان من حديث عائشة واللفظ لمسلم، وهذا الصلح المذموم ليس عليه أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بل هو مضاد له

9/ ويضاد الأصول المجمع عليها في الجهاد والولاء والبراء وأصل عدم تمكين اليهود من جزيرة العرب

ثالثاً: مناقشة من أجاز التطبيع العصري بناء على صلح الحديبية ونحوه:

وقبل مناقشة هؤلاء يُقال لهم وهل الحكام أصلا عند قراراتهم السياسية يبحثون عن الدليل الشرعي حتى نحاول التطوع بالتسويغ الشرعي لهم، أم أن آخر ما يفكرون به الناحية الشرعية، هذا إذا فكروا

ويتضح الكلام في مسألة التطبيع المحرم لو أننا فرضنا أمورا تمت في صلح الرسول صلى الله عليه وسلم (وحاشاه) مع الكفار لأنه بضدها تتبين الأشياء كما قال الشاعر:

الضد يظهر حسنه الضد ………… وبضدها تتبين الأشياء
صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم صالح الكفار سواء مع قريش أو يهود المدينة أو بعض قبائل العرب ولكن: ليس بتنازلات عقدية وشروط تضاد الإسلام. وهنا نسأل من استدل بذلك:

هل صالح الرسول صلى الله عليه وسلم الكفار على إبقائهم في بلادهم دائماً ومطلقاً؟ وهل صالحهم على إلغاء الجهاد؟ وهل صالحهم على إنهاء حالة البغضاء والعداوة معهم؟ وهل صالحهم على تمكينهم من أراض إسلامية اغتصبوها؟ وهل صالحهم على سيطرتهم على رقاب المسلمين؟ وهل صالحهم على عدم تعرضه لديانة الكفار وآلهتهم؟ وإذا كان لم يقبل ذلك منهم والدعوة في بدايتها في مكة (كما صح ذلك في السيرة) لما عرضت عليه قريش أن يترك سب دينها وآلهتها مقابل أن يعطوه السيادة أو الملك أو المال ومع ذلك لم يقبل وهو في أمس الحاجة لمهادنتهم، فكيف يقبل ذلك وهو في دولة ذات شوكة وقوة؟!! وهل صالحهم على أن لهم حق حكم المسلمين المستضعفين في مكة بشريعة الكفار، أو أن تبقى زمام الكعبة بأيديهم كيف شاءوا، ولو كانت قريش تخطط لقتل المسلمين هل كان يصالحهم؟ وهو الذي بايع الصحابة في الحديبية تحت الشجرة لما قيل إن عثمان رضي الله عنه قُتل، فأصبح القتل مانعا من المصالحة. ولو كانت قريش تنتهك أعراض المسلمين، وتخطط لهدم الكعبة وبناء أصنام العزى وهبل ومناة الثالثة الأخرى هل كان يصالحهم؟

وهل يصح صلح يمكّن اليهود من المقام في جزيرة العرب باسم السياحة أو إدارة اقتصادهم وأموالهم وشركاتهم وتمكينهم من إقامة معابد لهم؟

إن من تأمل الإجابة على هذه الأسئلة يدرك بعين البصيرة شناعة ما يُسمى بالصلح والتطبيع مع اليهود ومضادته المضادة الصريحة للإسلام.

ونناقشهم أيضا في أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل قريشاً قتال طلب فقد ذهب إليهم في أرضهم ثم صالحهم، فصلحه معهم في حكم جهاد الطلب فهو صلح طلب، بخلاف قتال اليهود اليوم فهو جهاد دفع، وأحكام جهاد وصلح الطلب يختلف عن جهاد وصلح الدفع فكيف يُقاس هذا على هذا؟

ونناقشهم أيضا ونقول هاتوا دليلاً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفاراً على التنازل لهم عن أرض إسلامية؟

وهاتوا دليلاً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء الراشدين صالحوا كفاراً سيطروا على أرض إسلامية فصالحوهم على أن يأخذ المسلمون جزءً من هذه الأرض التي سيطر عليها الكفار ليقيموا عليها حكماً علمانياً ديمقراطياً لا دينياً؟

ويقال لهم هل تجوز المصالحة بهدف إقناع الشعب اليهودي أن العرب لا يرفضونهم ولا يكرهونهم كما جاء في حيثيات إحدى المبادرات. وهل هدف المصالحة الإثبات لليهود أننا نحبهم، أليس هذا يصادم القرآن والسنة والإجماع لأنه صلح يريد إزالة العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود.

ثم ما حكم الصلح لو كان ركوناً للدنيا وكراهية لجهاد الدفع؟ وما حكم الصلح لو كان ينتج عنه دولة علمانية لا دينية في الأراضي التي سوف ينسحب منها يهود إن صدقوا في الانسحاب؟

وهل من المناسب أن يُفرض التطبيع الآن بعد أن اشتد رعبهم وهلعهم وبعد أن قويت شوكة إخواننا المجاهدين وفقهم الله في فلسطين؟

وما حكم الصلح إذا كان فيه شروط باطلة تخالف أصول العقيدة؟

ثم يقولون إن الضرورة أباحت الصلح! فنقول وهل تبيح الضرورة الكفر والشرك المتعدي وهل تبيح إلغاء أصول الشريعة؟

ثم إن مكة وقت صلح الرسول صلى الله عليه وسلم لهم دار كفر أصلي لم تدخل بعد وتتحول إلى دار إسلامية، وفلسطين دار إسلام في الأصل فتحها المسلمون فكيف يُقاس هذا بهذا؟

فإن احتجوا بقوله تعالى {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها} قلنا: أكملوا الآيات! تجدوا أن المخادع الخائن في العهد لا يصالح، بل يُحرّض المسلمون على قتاله، والله ناصرنا عليه وهو حسبنا {وإن يريدوا أن يخدعوك ــ أي اليهود ــ فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين} الآية، ثم قال بعدها {يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال} الآيات. فكيف نستدل بأول الآيات ونترك آخرها؟ ويدل على هذا المعنى مفهوم المخالفة في قوله تعالى في شأن المعاهدين {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} فإن لم يستقيموا لنا كما هو حال اليهود الخائنين، فكيف نصالحهم؟ مع أن القضية في حقيقتها تطبيع وليست صلحاً

رابعا: موقف العلماء المعنيين (في فلسطين) والعلماء الآخرين من هذا التطبيع.

لقد أوجب أهل العلم في العصر الحديث منذ بدأت قضية فلسطين قبل أكثر من خمسين عاما أوجبوا القتال ضد اليهود الغاصبين، ومنعوا الصلح معهم، الصلح الذي بمعنى الاستسلام ويعنى مضادة الشريعة وإلغاء بعض أحكامها، وان سُمي صلحاً

وحسب علمنا فإنه منذ نشأت المشكلة الفلسطينية إلى قبل سنوات قليلة ما كان العلماء يختلفون في حرمة التطبيع مع اليهود، ووجوب قتالهم

فمن الفتاوى في ذلك:

1/ فتوى علماء وقضاة وخطباء فلسطين الذي انعقد في القدس عام 1355هـ الموافق 1935م وأصدروا فتوى بحرمة بيع الأراضي الفلسطينية على اليهود، لأنه يحقق المقاصد الصهيونية في تهويد أرض فلسطين، وأن من باع الأرض عالما بنتيجة ذلك راضيا به فهذا يستلزم الكفر والردة، وأشاروا إلى فتاوى علماء المسلمين في العراق ومصر والهند والمغرب وسوريا والأقطار الأخرى بأنها أيضا تحرم بيع الأرض في فلسطين لليهود، ثم ذكروا الأدلة في ذلك

2/ وكذلك فتوى علماء الأزهر عام 1366 هـ وأيضا عام 1367 هـ بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين

3/ وفتوى علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد في باكستان عام1388هـ، 1968 م

4/ وكذلك فتوى لجنة الفتوى في الأزهر الصادرة عام 1375 هـ بتحريم التطبيع مع اليهود
5/ أيضاً أصدر مجموعة من العلماء عام1409 هـ، 1989 م، بلغ عددهم (63) عالما من ثماني عشرة دولة فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين

6/ وأصدر مجموعة كبيرة جدا من علماء اليمن فتوى في تحريم التطبيع مع اليهود

7/ وفتوى مؤتمر علماء فلسطين المنعقد في 1412 هـ أفتوا بحرمة المشاركة في مؤتمر مدريد وأفتوا أيضا بحرمة التطبيع مع اليهود ثم ذكروا الأدلة الشرعية في ذلك .
8/ ثم إن علماء وأهل الجهاد والشوكة من أهل الحل والعقد من أهل فلسطين لم يرتضوا هذه المبادرات القديم منها والحديث، وحتى الشعب الفلسطيني، فلماذا يُفتات عليهم ولهم ذمة مستقلة تتيح لهم أن يكونوا أولى الناس بأمورهم، وقد عارضت حركة حماس الجهادية بقيادة رئيسها الشيخ أحمد ياسين وفقه الله في بيان أعلن فيه رفضه لتلك المبادرات ، وقال: نحن نرفض أي اقتراح يتنازل عن أراضي فلسطين وأعلن أنهم سوف يواصلون الجهاد ضد اليهود اهـ

وأخيرا: أيهما أولى التطبيع مع اليهود الخائنين والملحدين والغاصبين، أم التطبيع ونفع إخواننا المجاهدين المضطهدين في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير والفلبين أو أهل السنة في العراق وغيرهم، أم نبذهم والتخلي عنهم، بل وأعانوا أعداءهم عليهم.

فإن قالوا الحكومات ضعيفة ولا تستطيع بجيوشها قتال اليهود قلنا إذا كانوا لا يستطيعون فليسلّحوا الشعوب المسلمة ويتركوها تقاتل عنهم، بل ليفتحوا حدودهم فقط للمجاهدين وهذا يكفي، بل ليسلّحوا الشعب الفلسطيني الشهم المجاهد ويدعموه ليقوم بأعباء الجهاد عنهم، وما ضاع حق وراءه مطالب، قال تعالى {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}

ونقول لإخواننا المجاهدين في فلسطين المباركة إلى مزيد من العمليات الاستشهادية الجهادية، فإنها اليوم من أعظم الجهاد ومن أقوى النكاية في اليهود.

وندعو إلى المقاطعة الاقتصادية لليهود والأمريكان وللدول والشركات التي تساعدهم، وكذلك ننصح إخواننا العلماء وطلبة العلم والدعاة والمعلمين والأغنياء والخطباء والأئمة أن يقوموا بما أوجب الله عليهم من تبيين قضية البراء من الكافرين وتبيين حكم هذا الاستسلام لليهود، وأن يساعدوا إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله من الفلسطينيين كل بما يستطيع، قال صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم وأيديكم وألسنتكم) رواه أحمد وأهل السنن من حديث أنس , ولابد من الدعاء والقنوت لهم في هذه النازلة التي ألمت بهم.

وننصح الحكام العرب أن يتقوا الله، ويراجعوا دينهم، ويبتعدوا عن هذا التطبيع المحرم مع اليهود قبل أن يحل عليهم غضب الله ونقمته .

ولا يعني حديثنا عن اليهود قاتلهم الله أننا نهوّن الأمر مع غيرهم من الكفار من نصارى وغيرهم فإن الكفر ملة واحدة، وحكمنا في هؤلاء مثل حكمنا في أولئك .
نقول هذا إبراء للذمة ونصحا للأمة وبيانا للحق ودفعا للالتباس والتضليل والله أعلم
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى