الحسين الشهيد
/ من هو الحسين؟ هو الإِمَامُ، الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَيْحَانتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ. أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ.
2/ شبهه بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث ثبت ذلك عن عدد من الصحابة:
- عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ
- عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
3/ الأحاديث في فضله كثيرة شهيرة، من ذلك:
- كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ. قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُوْلُ: (هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)
- عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا؟! قَالَ: (كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا)
- عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّة)
- عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِ بِنْتِي وَحَامَتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً) فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم؟ قَالَ: (إِنَّكِ إِلَى خَيْر)
- قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً) وَفِي لَفظٍ: (أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً)
- عَنْ عَبْدِ اللهِ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخذَ بِيدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: (هَذَانِ ابْنَايَ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي)
4/ تعظيم الصحابة رضي الله عنهم إياه وحبهم له:
- عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ: صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ. فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ! فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ. قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَهَلْ أَنْبتَ عَلَى رُؤُوْسِنَا الشَّعْرَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم! وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا
- عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي.
- الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ: أَنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ آلاَفٍ.
4/ عبادته رضي الله عنه: قَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَجَّ الحُسَيْنُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشياً
5/ نهي الصحابة إياه عن الخروج، وعزمه على ذلك:
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ، فَقُلْتُ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ. فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتحِلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي: مَكَّةَ -. وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَّى نَفْسِي عَنْهُ
- كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أَنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟ قَالَ: العِرَاقَ. وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم. قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم. فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ، لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إِلاَّ لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا. فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ
- جَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي، وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً، وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ وَلاَ عَزْمٌ وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ
7/ سبب خروجه: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إِلَى الحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ، وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا.
فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مُتَرَدِّدُ العَزْمِ
8/ 6/ مقتله رضي الله عنه؛ عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ) فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ. فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: (نَعَمْ) قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ. قَالَ: (نَعَم) فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ، أَوْ تُرَابٍ أَحْمَر
وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ – وَقَدْ وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ – وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي، فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ، أَوْ أُرَدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ!
وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ.
لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ، خَطبَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إِلاَّ نَدَماً
وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ، وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ؛ فَاقْدَمْ، لَعَلَّ اللهَ يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ.
فَأَتَيْتُ؛ فَإِذْ كَرِهتُم ذَلِكَ، فَأَنَا رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم قَتْلِي، أَوْ يَحِلُّ دَمِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي؟ أَلَمْ يَبلُغْكُم قَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيَّ وَفِي أَخِي: (هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ)؟
فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ، لأَجَبْتُ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! لَيَكُوْنَنَّ لِمَا تَرَى يَوْمٌ يَسُوؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ غَرُّوْنِي، وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي مَا صَنَعُوا، اللَّهُمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَداً.
8/ ماذا كان بعد مقتله؟ قَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ؛ أَبَنَاتُ رَسُوْلِ اللهِ سَبَايَا؟ قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي! هُوَ -وَاللهِ – عَلَيَّ أَشدُّ مِنْهُ عَلَيْكِ، أَقْسَمْتُ وَلَوْ أَنَّ بَيْنَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إِلاَّ بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ. قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا.
فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ، فَأُدْخِلْنَ عَلَى نِسَائِهِ، وَأَمَرَ نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَقَمْنَ المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا.
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ … أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا … كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ … فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حَلَّتِ
وَكَانُوا لَنَا غُنْماً، فَعَادُوا رَزِيَّةً … لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِ
فَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا … وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً … لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ