1ـ في الآية الأخيرة من سورة الكهف تحذير من الرياء، وبيان مجانبته لهدي محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا( في سبب نزول الآية روى ابن أبي حاتم من حديث معمر عن عبد الكريم الجزري عن طاوس قال: قال رجل: يا رسول الله إني أقف المواقف أريد وجه الله وأحب أن يُرى موطني!! فلم يرد عليه رسول الله e شيئاً حتى نزلت هذه الآية )فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا( ومعنى الآية: قل: لهؤلاء المشركين المكذبين برسالتك إليهم: إنما أنا بشر مثلكم: أي لا أعلم إلا ما يعلمني الله تعالى، وعلم الله تعالى لا يحصى، فمن زعم أني كاذب فليأت بمثل ما جئت به؛ فإني لا أعلم الغيب فيما أخبرتكم به من الماضي عما سألتم من قصة أصحاب الكهف وخبر ذي القرنين مما هو مطابق في نفس الأمر لولا ما أطلعني الله عليه
أنما إلهكم: الذي أدعوكم إلى عبادته، إله واحد: لا شريك له، فمن كان يرجو لقاء ربه: أي ثوابه وجزاءه الصالح، يرجو رؤيته وثوابه ويخشى عقابه، فليعمل عملاً صالحاً: أي ما كان موافقاً لشرع الله، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا: وهو الذي يراد به وجه الله وحده لا شريك له، وهذان ركنا العمل المتقبل لا بد أن يكون خالصاً لله صواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الماوردي: وقال جميع أهل التأويل: معنى قوله تعالى )ولا يشرك بعبادة ربه أحدا( إنه لا يرائي بعمله أحدا
قال القرطبي رحمه الله تعالى: وقال علماؤنا رحمهم الله وقد يفضي الرياء بصاحبه إلى استهزاء الناس به؛ كما يحكى أن طاهر بن الحسين قال لأبي عبد الله المروزي: منذ كم صرت إلى العراق يا أبا عبد الله؟ قال: دخلت العراق منذ عشرين سنة، وأنا منذ ثلاثين سنة صائم!! فقال: يا أبا عبد الله سألناك عن مسألة فأجبتنا عن مسألتين. وحكى الأصمعي أن أعرابياً صلى فأطال وإلى جانبه قوم؛ فقالوا: ما أحسن صلاتك؟! فقال: وأنا مع ذلك صائم.
الأحاديث والآثار في النهي عن الرياء
- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من سمَّع سَمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به}
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلاً أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل ليذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله}
- قيل: يا رسول الله: فالخيل؟ قال: {الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، وهي لرجل ستر، وهي لرجل أجر، فأما التي هي له وزر فرجل ربطها رياء وفخراً ونواء على أهل الإسلام، فهي له وزر، وأما التي هي له ستر، فرجل ربطها في سبيل الله ثم لم ينس حق الله في ظهورها ولا رقابها، وأما التي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الإسلام، في مرج وروضة؛ فما أكلت من ذلك المرج والروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت، حسنات وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا يتقطع طولها فاستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها وأرواثها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه ولا يسقيها منه إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات}
- عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسي ثوباً برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء يوم القيامة}
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: يا رسول الله أخبرني عن الجهاد والغزو؟ فقال صلى الله عليه وسلم {يا عبد الله بن عمرو، إن قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مرائياً مكابراً بعثك الله مرائياً مكاثراً، يا عبد الله بن عمرو: على أي حال قاتلت أو قتلت بعثك الله على تيك الحال}
- عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر} قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال {الرياء، إن الله تعالى يقول يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون بأعمالكم في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء}
- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع، الإمام وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله، وأما من غزا فخراً ورياء وسمعة، وعصى الإمام فإنه لم يرجع بالكفاف}
- عن شهر بن حوشب قال: جاء رجل إلى عبادة بن الصامت فقال: أنبئني عما أسألك عنه: أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد؟ ويصوم يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد؟ ويتصدق يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد؟ ويحج يبتغي وجه الله ويحب أن يحمد؟ فقال عبادة: ليس له شيء؛ إن الله تعالى يقول: أنا خير شريك فمن كان له معي شريك فهو له كله لا حاجة لي فيه.
- وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده تكون له حاجة أو يطرقه أمر من الليل فيبعثن؛ فكثر المحتسبون وأهل النوب؛ فكنا نتحدث؛ فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال {ما هذه النجوى؟} فقلنا: تبنا إلى الله أي نبي الله؛ إنما كنا في ذكر المسيح وفرقنا منه! فقال {ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟} قلنا: بلى. فقال {الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي لمكان الرجل}
- وروى الإمام أحمد عن ابن غنم: لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء لقينا عبادة بن الصامت فأخذ يميني بشماله وشمال أبي الدرداء بيمينه؛ فخرج يمشي بيننا ونحن نتناجى؛ والله أعلم بما نتناجى به؛ فقال عبادة بن الصامت: إن طال بكما عمر أحدكما أو كليكما لتوشكان أن تريا الرجل من ثبج المسلمين يعني من وسط قراء القرآن على لسان محمد e فأعاده وأبدأه وأحل حلاله وحرم حرامه ونزله عند منازله لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت! قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع شداد بن أوس وعوف بن مالك فجلسا إلينا؛ فقال شداد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {من الشهوة الخفية والشرك} فقال عبادة بن الصامت وأبو الدرداء: اللهم غفرا ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب؛ أما الشهوة الخفية فقد عرفناها؛ هي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها فما هذا الشرك الذي تخوفنا به يا شداد؟ فقال شداد: أرأيتكم لو رأيتم رجلاً يصلي لرجل أو يصوم لرجل أو يتصدق له أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم ـ والله ـ إن من صلى لرجل أو صام أو تصدق له لقد أشرك. فقال شداد: فإني سمعت رسول الله e يقول {من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك} فقال عوف بن مالك عند ذلك: أفلا يعمد إليه إلى ما ابتغى به وجهه من ذلك العمل كله فيصل ما خلص له ويدع ما أشرك به؟ فقال شداد عند ذلك: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إن الله يقول: أنا خير قسيم لمن أشرك بي من أشرك بي شيئا فإن عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به أنا عنه غني}
- روى الإمام أحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه أنه بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبكاني؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية} قلت: يا رسول الله أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً، ولكن يراءون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه}
- روى الحافظ أبو بكر البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يقول الله يوم القيامة: أنا خير شريك من أشرك بي أحدا فهو له كله}
- روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن الله جل جلاله أنه قال {أنا خير الشركاء؛ فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي أشرك} تفرد به من هذا الوجه
- روى الإمام أحمد عن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر} قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال {الرياء؛ يقول الله يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء}
- روى الإمام أحمد عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري رضي الله عنه وكان من الصحابة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً؛ فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك}
- روى الإمام أحمد عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من سمَّع سمَّع الله به ومن راءى راءى الله به}
- روى الإمام أحمد عن عمرو بن مرة قال: سمعت رجلاً في بيت أبي عبيدة أنه سمع عبد الله بن عمرو يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {من سمع الناس بعمله سمع الله به ساء خلقه وصغره وحقره}
- وروى الحافظ أبو بكر البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {تعرض أعمال بني آدم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة في صحف مختمة فيقول الله جل جلاله: ألقوا هذا واقبلوا هذا؛ فتقول الملائكة: يا رب والله ما رأينا منه إلا خيراً. فيقول: إن عمله كان لغير وجهي ولا أقبل اليوم من العمل إلا ما أريد به وجهي}
- روى أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه جل جلاله}
2ـ في تعريف الرياء قال الجرجاني ترك الإخلاص في العمل بمراعاة غير الله فيه. وقال التهانوي: فعل الخير لإرادة الغير، وقيل: هو فعل لا تدخل فيه النية الخالصة، ولا يحيط به الإخلاص. وقال الغزالي: أصل الرياء طلب المنزلة في قلوب الخلق بإيرائهم خصال الخير. وقال ابن حجر العسقلاني: الرياء إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدوا صاحبها.