خطب الجمعة

الموفقون

خطبة يوم الجمعة 13/ 1/1441 الموافق 13/9/2019

1/ قال الله تعالى عن شعيب عليه الصلاة والسلام {وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ}، فالتوفيق منزلة عظيمة يهبها الله لمن أحبَّ من عباده، فإذا علم الله من عبده الصدق والإنابة إليه وفّقه الله وهداه، قال تعالى {قُلْ إنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}، وإذا وفَّق الله العبد اجتباه ويسَّر له أسباب العمل فيما يرضيه، وشرح صدره للطاعة، وحبَّبه إليها، فيقبل العبد على أبواب الخير يضرب بسهم في كل باب تواقاً منهوماً مستسهلاً للصعاب مطارحاً للعقبات.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.  وقال عز وجل {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ}

2/ فالموفَّق هو ذاك المخلص الذي أخلصه الله إليه فصدق مع ربه يريد مرضاته مكتفياً باطلاع الله عليه، فلا يلتفت إلى المخلوقين ليُعرِّض بنفسه أو بكلامه أو لحظات طرفه أمامهم ليمدحوه أو ينال إعجابهم، فهو يحذر من الرياء والسمعة والعجب والإدلال بالعمل وغيرها من مفسدات الأعمال وموهنات القلوب.

3/ والمخلص هو الذي حفظه ربه تعالى فسلّمه من شر الالتفات إلى الناس والشكاية إليهم، والطمع فيما عندهم، والخوف منهم ومداهنتهم، والتملق لهم، وطلب رضاهم على حساب الحق؛ فالإخلاص هو سر التوفيق وهو بوابة حيازة الخيرات والقربات وقبولها من الله الذي يحب المخلصين الذين باعوا أنفسهم وأوقاتهم وكل ما يملكون لربهم قال تعالى {قُلْ إنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ} وإذا أردت أن تعرف ميزانك عند الله فانظر في همك وشغلك هل هو لله أم لا؟ وقد قيل: (إذا أردت أن تعرف قدرك عند السلطان فانظر في أي الأعمال يوليك).

4/ وأهل الإخلاص هم الذين يقيهم الله من الفتن والشبهات والشهوات، ويكون معهم يحفظهم وينصرهم، وينزل السكينة على قلوبهم، ويثبت أقدامهم حين اشتداد الكربات ونزول الضوائق والأزمات.

5/ والموفق هو الذي تحزنه آلام الأمة ويدمي قلبه ضياعُها وكثرة أعدائها المتربصين، وهو المحزون حينما يرى أهل الفسق يسقطون في الرذيلة وهم صادّون عن ربهم معرضون عن سنة نبيهم؛ لأنه يسوؤه أن يُعصى الله وتنتهك حرماته.

6/ والموفق هو من صرف الله قلبه عن التعلق بالدنيا والطمع في جمعها والظفر بزينتها وشهواتها، وأنزل الله بقلبه همّ الآخرة، يعد أيامه وأنفاسه يريد ألا ينفقها إلا فيما يرضي الله والهاتف دائماً في قلبه: الرحيل.. الرحيل، قال الله تعالى {بَلْ تُؤْثِرُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} وهذا بخلاف المغبون الذي صرفته دنياه عن آخرته.

7/ والموفق هو من قام على نفسه يحاسبها على الدوام؛ لأن النفس جموحة طموحة منوعة تريد الرفعة والعلو والمديح والتقدم والتعالي على الآخرين، فهو معها في جهاد يكبح جماحها؛ فإن عمل طاعة فهو متلهف مشغوف يحسن الظن بربه أن يقبل تلك الطاعة، وإن أذنب ثم تاب فهو خائف قلق يخشى ألا يقبل الله توبته.

8/ والموفق هو الذي نجاه ربه وسلمه من شر كبائر القلوب الخفية كالغل والحسد وسوء الظن بالآخرين واتهام نياتهم والوقوع في أعراضهم والوشاية بهم والسقوط في الغيبة والنميمة والكذب المُبطّن؛ فما أسوأ حال من كانت هذه صنعته وما أبعده عن التوفيق؛ لأنه من شرار الناس، فعن عبد الرحمن بن غنم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسـلم (خيار عباد الله: الذين إذا رُؤُوا ذُكِرَ الله، وشرار عباد الله المشّاؤون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الباغون للبُرآء العنت) رواه أحمد. 

9/ والموفق هو ذلكم المحسن للآخرين العطوف عليهم الذي يقلقه شجون المصابين وأنات المساكين والمشردين والمحرومين والمظلومين، فهو يسعى بكل سبيل ليكفكف عبراتهم، ويضمد جراحهم، ويمسح على رؤوسهم ليرد إليهم اعتبارهم وينفي كربهم ويدخل السرور عليهم يوم نسيهم المسلمون وانشغلوا بأنفسهم وشهواتهم وكماليات حياتهم.

10/ والموفق من ألهمه الله ذكره فأصبح ذاكراً لربه بقلبه ولسانه فقضى العمر بهذه العبادة العظيمة التي رتب الله عليها أعظم الأجور؛ فإنها المنّة الكافية والمنحة الشافية أن يستديم العبد ذكر ربه ويتلذذ بمناجاته ذلك الذكر الذي هو أسهل العبادات وأيسرها، قال تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}

 11/ والموفق من فتح الله على قلبه في الدعوة إليه والجهاد في سبيله فتحرك قلب الداعية وهزه الشوق والحنين ليسوق العباد إلى ما يرضي رب العباد، فهو أحسن الناس وأعظمهم أجراً وأشرفهم مهنة وكفى بها فخراً أنها مهنة المرسلين. فهنيئاً لك أيها الداعية الصادق فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله) رواه مسلم.

الخطبة الثانية

قد كانت تصريحات غير موفقة ولا سديدة، بل كان البلاء فيها ظاهراً، صدرت من بعض الوزراء وافتتحوا بها عهدهم، فهذا وزير العدل الذي يرجو الناس في عهده إقامة للميزان بالقسط وسعياً في إحقاق الحق ودرء الباطل، يريد الناس منه أن يأخذ لضيعفهم من قويهم وأن يقتص لمظلومهم من ظالمهم، يريد الناس ألا يطمع قوي في باطله وألا ييأس ضعيف من عدله، كل هذه الغايات العظام جعلها وراءه ظهرياً، ليخرج على الناس بباقعة يروج فيها للعلمانية ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة، وهو في هذا كله يلوي لسانه ببعض كلمات إنجليزية، لا تغني عنه شيئاً؛ فإن فساد الفكرة لا يستره معسول اللفظ، إن العلمانية نعرفها وقد جربها المسلمون في المشارق والمغارب فلم يحصدوا منها إلا العلقم المر، ما منعت ظلماً ولا فرقة ولا باطلا، ولا حالت دون استبداد ولا فساد، وهذا حال كل بلاد المسلمين تحكم بالعلمانية صراحة أو ضمناً فماذا كانت النتيجة؟ أليس الناس قد حصدوا الهشيم؟

ومن جعلوه وزيراً للشئون الدينية لم يفتح الله عليه بكلمة في تطوير المساجد والنهوض بها للدعوة إلى الله تعالى هداية للحائر وإرشاداً للغافل وقياماً بالقسط، بل كان غاية همه ومبلغ علمه أن يوجه دعوة ليهود للعودة إلى السودان!! سبحان الله أهذه هي مشكلة الناس؟ أين خطتك في إعطاء الأئمة حقوقهم؟ أين جهدك في النهوض برسالة المسجد؟ هذه هي مهمتك والأمانة التي نيطت بك. أما الحرص على الفرقعات الإعلامية من أجل أن يتصدر الواحد صفحات الجرائد وأخبار النشرات وينال النصيب الأوفى في تعليقات الناس في الأسافير فليس هذا دأب الموفقين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى