1ـ يجب على المسلم الابتعاد عن أسباب الكفر من الشبهات والشهوات للحديث: جاء رجل إلى النبي ، فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء لأن أخرَّ من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، فقال النبي : {الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة}.
2ـ الحذر من إطلاق لفظ الكفر على إنسان بعينه إلا بعد تثبت وإقامة الحجة عليه: للحديث: {إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء به أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه}. ذلك لأنه ليس كل قول أو فعل فاسد يعتبر مكفرا.
كما لا ينبغي أن يكفّر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره خلاف، وكذلك لا يجوز تكفير مكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لقوله تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
3ـ التساهل في التكفير مدعاة للفساد والعبث بأحكام الإسلام واستباحة حرمات ودماء وأموال المسلمين بغير حق، ومن مصائب الأمة أن تبتلى بمن يتصدر الفتوى من الجهلة وتلك من علامات الساعة للحديث: {إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا بغير علم فضلوا وأضلوا}
4ـ التكفير حكم شرعيٌّ خطير تترتب عليه أحكام خطيرة منها: أن المحكوم بكفره لا يحل لزوجته البقاء معه؛ لقوله تعالى }لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن[1]{ ولا يجوز لأولاده البقاء تحت سلطانه لقوله تعالى }ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا{[2] وتنقطع الولاية بينه وبين مجتمع المؤمنين؛ لقوله تعالى }لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء{[3] ويجب تقديمه للقضاء ليقيم فيه حكم الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم {من بدل دينه فاقتلوه}[4] وبعد موته لا تجرى عليه أحكام موتى المسلمين؛ فلا يُغسَّل، ولا يُكفَّن، ولا يُصلَّى عليه[5]، ولا يُدفَن في مقابر المسلمين[6]، ولا يورث ماله[7]، ولا يُدعَى له بالرحمة والمغفرة؛ لقوله تعالى }ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون{[8] ويستوجب الخلود في جهنم مع لعنة الله تعالى وغضبه.
5ـ فالتكفير أخطر الأحكام وأشدُّها؛ والأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين: أحدهما: افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم، والثاني: افتراء الكذب على المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفِّره الله تعالي فهو كمن حرَّم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه. وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك، وحريٌّ به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما} وفي رواية {إن كان كما قال وإلا رجعت عليه} وله من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه} يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر {إن كان كما قال} يعني في حكم الله-تعالى- وكذلك قوله في حديث أبي ذر رضي الله عنه {وليس كذلك} يعني في حكم الله تعالى.
6ـ والذي يحكم بردة المسلم وكفره هم الراسخون في العلم من أهل الاختصاص الذين يميِّزون بين القطعي والظني، وبين المحكم والمتشابه، وبين ما يقبل التأويل وما لا يقبل التأويل، فلا يكفّرون إلا بما لا يجدون له مخرجًا، مثل: إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، أو وضعه موضع السخرية من عقيدة أو شريعة، ومثل سبِّ الله تعالى ورسوله، أو كتابة ذلك السبِّ علانية، ونحو ذلك. ثم إن الذي يناط به تنفيذ حكم الردة هو ولي الأمر الشرعي، بعد حكم القضاء الإسلامي المختص؛ الذي لا يحتكم إلا إلى شرع الله جل جلاله، ولا يرجع إلا إلى المُحْكمات البَيِّنات من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهما المرجعان اللذان يُرجَعُ إليهما إذا اختلف الناس، وهو الأمر الذي أكَّد عليه الله تعالى بقوله }فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً{[9] فليس الحكم بالردة والكفر موكولاً إلى آحاد الناس وصغار الطلبة؛ بل الأمر في ذلك عظيم، وحريٌّ بالعاقل أن يتورع عن إطلاق القول فيه.
[1] سورة الممتحنة 10
[2] سورة النساء 141
[3] سورة الممتحنة 1
[4] رواه البخاري
[5] لأن هذه الأحكام خاصة بموتى المسلمين؛ أما الكافر فإنه يدفن فقط ـ ستراً لأذاه لا تكريماً له ـ بغير تغسيل ولا تكفين؛ كما فعل النبي e بقتلى المشركين في بدر؛ فإنه أمر بهم فجروا بأرجلهم وألقوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث
[6] لإجماع أهل العلم على أنه لا يجوز أن يدفن المسلم في مقابر الكفار، ولا الكافر في مقابر المسلمين، إلا لضرورة. انظر: الموسوعة الفقهية 21/20
[7] لقوله e {لا يرث مسلم كافراً، ولا كافر مسلماً}
[8] سورة التوبة 84
[9] سورة النساء 59