1ـ إن الله تعالى أثنى على أقوام في القرآن فقال )إنهم كانوا يسارعون في الخيرات( وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم أحق الناس بهذا الثناء بعد الأنبياء، حيث تنافسوا y في الخيرات والأعمال الصالحات؛ كالذي كان من شكوى فقراء المهاجرين، حين جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم. فقال {وما ذاك؟} قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟} قالوا: بلى يا رسول الله. قال {تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة} قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} وما كان من عبد الله بن مسعود t حين مرَّ به النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل، وما كان من تنافس أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الصدقات، وما كان يوم أحد من التسابق على سيف النبي صلى الله عليه وسلم ، وما كان من عكاشة بن محصن حين سمع {سبعون ألفاً من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب}
2ـ يا أيها المسلمون: يا من تنافستم في الخيرات في رمضان صياماً وقياماً وقرآناً ودعاءً، اعلموا أن الله تعالى يريد منكم الثبات على العمل الصالح؛ إن الثبات على الدين أمر لا بد أن يحرص عليه كل مسلم؛ فإن بعض المسلمين إذا تمسك بالدين والتزم بشعائره ثم سمع استهزاء المستهزئين أو احتقار التافهين أو سمع فتنة المهتدين؛ خارت قواه وضعفت عزيمته وفترت همته، وطاوع الفاسقين على ما يريدون، ولو أنه تدبر ما أصاب الذين من قبله لعلم أنه ليس وحده في الميدان ]ألم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين [ )إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون @ وإذا مروا بهم يتغامزون @ وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين @ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون(
وإن من عوامل الثبات على دين الله: الإقبال على الطاعات كقراءة القرآن وقيام الليل والإكثار من صلاة النوافل، ومنها الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى والتضرع إليه، ومنها: مخالطة الصالحين والبعد عن الفاسدين المضيعين، ومنها: طلب العلم الشرعي، ومنها: تصور ما أعد الله من النعيم لمن أطاعه، ومن العذاب لمن عصاه. كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك} ومن دعائه {اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد} ومن دعائه {وثبت حجتي} ومن عوامل الثبات كذلك قراءة سير الصالحين وكيف كانوا على الجادة حتى الموت.
3ـ عندما يصل رمضان إلى نهايته يكون قد أوصل العظة إلى القلوب، فهذا الشهر الذي هو قطعة من أعمارنا، سينتهي العمر كله كما انتهى، وعندها سيفرح أقوام ويندم آخرون، أما الفرحون فهم الذين تناديهم الملائكة عند الموت )ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون( وأما الخاسر الشقي فذاك الذي ينادي )ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين( )ربِّ ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون( )ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسئوا فيها ولا تكلمون( )ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم فيه ما يتذكر من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير(
5ـ خير ختام لرمضان أيها المسلمون توبة لله من جميع الذنوب والمعاصي، توبة نفرح بها ربنا جل جلاله، توبة نرضي بها سيدنا ومولانا، من سترنا في هذه الدنيا ولم يفضحنا، من أمهلنا ولم يعاجلنا بالعقوبة، من أسبل علينا ستره، من أرخى علينا كنفه، من ابتدأنا بالنعم دون استحقاق، من لا يؤاخذ بالجريرة ولا يكشف الستر، من عاملنا بفضله ومنه وكرمه، توبة ننخلع بها من كل معصية وفتنة )يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار @ من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب( وإياك ـ عبد الله ـ أن تكون من المسوفين الخاسرين الذين أسرفوا على أنفسهم وفرطوا في جنب الله وأجلوا التوبة )حتى إذا جاء أحدهم الموت قال إني تبت الآن( البدار البدار قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، البدار البدار قبل أن تجف الأقلام وتطوى الصحائف، البدار البدار قبل أن ينزل بك ملك شديد غليظ ينقلك من سعة بيتك إلى ضيق قبرك.
⑤ يا أيها الإخوة: إن قلوبنا تتفطر لفراق شهرنا بعدما رأينا نعمة الله علينا في صيامه وقيامه، وبعدما أدمن الموفقون طاعة ربهم وأنسوا بالقرب من سيدهم، تركوا طعامهم وشرابهم وشهواتهم من أجل الله، لا نقول إلا ما يرضي ربنا )إنا لله وإنا إليه راجعون( إن القلب يحزن وإن العين تدمع وإنا لفراقك يا رمضان لمحزونون. وإن من نعمة الله العظمى أن فتح لنا باب الخيرات بعد رمضان في تطوع بصيام وقيام، فلا يفوتنكم حظكم من ذلك أيها الموفقون. لا تهجروا القرآن بعد رمضان، ولا تفارقوا بيوت الله بعد رمضان، ولا تنسوا الدعاء بعد رمضان، واعلموا أنه عما قريب يهل علينا رمضان آخر ـ إن شاء الله ـ فمن استطاع منكم أن يحفظ عهده مع الله فليفعل
فيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال
فما أدري إذا ما الحول ولى وعدت بقابل في خير حال
فهذه سنة الدنيا دواماً فراق بعد جمع واكتمال
وتلك طبيعة الأيام فينا تبدد نورها بعد الكمال